الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه كثيرة هي المصطلحات الغربية التي تناقشنا طويلاً حول الفاظها، دون ان ندخل في محتواها، وندرسها على ضوء الفطرة المشتركة بين جميع البشر. والوقوف السطحي عند هذه المصطلحات يؤدي غالباً إلى تعامل انفعالي معها، فإما الرفض التام بحجة المحافظة على الأصالة، وإما التمسك الأعمى بدليل ضرورة مواكبة العصر. وهكذا كنّا فريقين في قضايا الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني وأمثالها.. ومنها (الحداثة) وكان بالإمكان في هذه جميعاً أن ندرسها دراسة مستوعبة على ضوء تراثنا، ونجعلها رافداً من روافد اغناء مسيرتنا الحضارية كما فعلنا ذلك في عصور الإسلام الذهبية حين انفتح العالم الإسلامي على الثقافات اليونانية والفارسية والهندية. لكن توقف الحركة الحضارية في هذه الأمة خلال القرون الأخيرة جعلنا نقف من الرأي الآخر موقفاً انفعالياً يتسم كما قلت إما بالتحجر أو بالذيلية والالتقاط. صحيح ان الحداثة مصطلح جاءنا من الغرب، وظهر هناك على أثر الاصطدام بين المفاهيم اللاهوتية ومقتضيات المعرفة الحديثة( )، لكنه في الواقع كان موجوداً على امتداد كل حركة حضارية في تاريخ البشرية. فالحركة الحضارية تتطلع دائماً إلى الجديد، دون أن تفرط بما حققته في تاريخها الحضاري ودون ان تلغيه، لأنها حركة واحدة مترابطة الخطى متواصلة الحلقات، ولو ألقينا نظرة على تاريخ الفلسفة والطب والفلك والهندسة بل على تاريخ النحو والبلاغة والشعر والكتابة في حضارتنا الإسلامية إبان ازدهارها لرأيناها ترفض التقليد والجمود، وتتجه دائما إلى التجديد في الفكر والفن، ولكن بالوقوف على القاعدة الرصينة التي أرساها السلف من العلماء. إن الحركة الحضارية في التاريخ الإسلامي شقت طريقها وسط أمواج من الفتن والاضطرابات وعمليات القمع التي ظهرت في المجتمع الإسلامي نتيجة انحراف الحكم في كثير من أدواره عن النهج الإسلامي الصحيح وتولي الحكام الجهلة المصلحيين شؤون الأمة، غير أن الطاقة الهائلة التي أودعها الإسلام في هذه الأمة امدّت الحركة الحضارية بزخم كبير جعل