الناس وهذه هي المهمة الأساسية لكل المفكرين المسلمين المؤمنين بضرورة تجاوز خلافات الماضي والشروع الفعلي في تحقيق شروط الفعل الحاضر على ثوابت الدين وأصوله وقواعده باثبات الوحدة العميقة وراء الخلاف الفكري المذهبي في الماضي وهنا ندرك أن فكر المسلمين لا يمكن أن يصبح فكراً بحق الا إذا تعالى على التحديد المذهبي والطائفي بل يتعين بطبيعة الموضوع (سياسي، طبيعي..) الذي يحدد المنهج (علمي، تقني… الخ) والمنهج يوجه المقصد المعرفي (تفسيري، تأويلي، نقدي….) عندها فقط يكون الحوار يجمع ولا يفرق ويثمر فكراً ناجعاً دون افراط أو تفريط، يواكب العصر على قواعد ثابتة أصليّة، ويساهم في الحضارة المعاصرة بقيمها الأساسية (الذوق والاخلاق والمعرفة والتشريع والحضور) ونؤثر فيها خدمة للقيم الأخلاقية السامية (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي يحددها الإسلام بالشرائع والطبائع وما بينهما من تبادل في الاتجاهين ثم حضوراً متعاليّاً عليهما وعلى تفاعلاتهما لنكون بحق شهداء على الناس ونحقق الخيريّة الموصلة للاستخلاف. إن الموقف الذي نرى وجوب تأكيده هو الذي يؤمن بوحدة الفكر الإسلامي متجاوزاً الانتماء العرقي (عرب – فرس- ترك..) والطائفي (سنّة، شيعة، خوارج…) والمذهبي (حنفي، مالكي، جعفري، زيدي….) إنه موقف الرشد واعادته إلى عقل الأمة بعد طول غياب وهذا يدفعنا إلى اعادة النظر في تاريخنا السياسي والمذهبي وبحث سيطرة الاستبداد وعصور الغلبة وتحليل الازمات التي سيطرت على التاريخ الإسلامي كلَّه لادراك مواقع الزيغ وتأثير الجاهلية (باعتبارها الموضوعي المستمر وليس التاريخي المنتهي) ومعالجة ما تولد عنهما من فتن وصراعات حددت مآل الفكر الإسلامي كله محدداٌ للواقع السياسي اجمالاً الامر الذي جعله محكوماً بشراك الاستبداد خلافاً لما تقتضيه عقيدة التوحيد ونصوص الرسالة، وفي هذا الجانب قرأت ملخصاً جميلاً للدكتور مرزوقي عن كتاب (الدين والفكر في شراك الاستبداد) للمفكر الإسلامي السيد محمد خاتمي يربط فيه العلاقة بين الخلافات المذهبية التي طابقت الخلافات الشعوبيّة خاصة بين اقوام الإسلام الأساسية الخمسة ويرى أن العرب هم الاصل الأول لكون الرسالة بلغتهم والفرس يبرزون حضاريّاً والترك سياسيّاً وثلاثتهم يشكلون القلب والهنود والافارقة (وردت في الكتاب البربر وهم عرب ولكن الافارقة اعم) الجناحين ولن ينطلق صقر الإسلام محلقاً ألاّ بكل هذا المخمس الذي يمثل قاعدة الانطلاق التي فتحت العالم بكل اقوامه مع اعتبار سفراء الإسلام المنتشرون في كل بقاع الدنيا. إن هذا الاستنتاج الذي وصل له السيد خاتمي فيه بصيرة صافية يدركها المفكرون بدرجة متزايدة تتضح في الحوارات والمتابعات والجهود المشتركة، ومن ذلك يقتضي الواجب دعم مشروع الحوار والتعاون والتضامن لتحقيق هذا الهدف بطلب الحقيقة ومناقشة شروطها وشروط صمودها أمام رواسب الصراع الطائفي والمذهبي والشعوبي، وتأويلات تاريخ تلك