مع سياساتها وأهدافها. وفي ضوء هذه الحقيقة لايمكن لأحد أن يصنف هذا الكم من اللقاءات الحوارية سوى أنها ظاهرة ايجابية من حيث انها جاءت استشعاراً لخطورة الوضع العالمي وشعور سكان هذا الكوكب بالخوف والقلق حيال مستقبلهم الذي تهدده مخاطر دلت عليها مؤشرات توالت في الظهور واحداً بعد الأخر منذ أن تعرضت موازين القوى العالمية للاضطراب بانهيار ماكان يعرف بالاتحاد السوفيتي. ولكن المتأمل في ذلك الكم الكبير من الأدبيات الحوارية، يلاحظ أنها ظلت تحوم فوق تخوم أكاديمية متخصصة دون أن تضم جناحيها للنزول وسط الشارع الجماهيري، وظلت تسبح في بحر المثاليات دون أن تجنح إلى الشاطئ لتلامس حياة الناس، وقبل كل ذلك طغى عليها جميعاً الجانب النظري، فلم تلامس الواقع إلا على استحياء. وبقيت الندوات والمؤتمرات الحوارية في جزئها الغالب مناسبة يقوم فيها كل جانب بسرد البراهين والدلائل العقلية والتاريخية على أن الحوار أمر أصيل في دينه وثقافته، وان بذور التسامح والتعايش نمت وترعرعت في تربته الدينية والثقافية.. وبقى المتحاورون عصافير تغرد في وجه بعضها بعضاً داخل قاعات مغلقة دون أن تشعر من هم خارجها بشيء يذكر من الطمأنينة أو النشوة أو الارتياح. وقد تفاجأ إذا ما حضرت بعض الأنشطة الحوارية بنقاط التلاقي التي تكاد تتحول إلى تطابق في الكثير من الوجوه التي تنطلق جلها من ثوابت دينية وأسس عقيدية – ولا أعتقد بأن في ذلك غرابة ـ حيث إنه من الناحية النظرية فإن كل الأديان السماوية – بل حتى الوضعية ـ تدعو إلى الخير والحق والعدل وتعتمد الحوار أسلوباً أساسياً لتحقيق تلك القيم على أرض الواقع.. ولكن ما إن تخرج من القاعة لتتابع نشرة أخبار حول أحداث العالم حتى تصدم بصورة الحقيقة المغايرة تماماً للمثاليات التي كنت منتشياً بها داخل القاعة. إذن نحن أمام مشكلة حقيقة يبرز ملامحها هذا التناقض بين المثالية النظرية التي تسفر عنها جل اللقاءات الحوارية وبين ممارسات عملية رسمية غير مسؤولة تقود إلى صراع بين الحضارات وربما إلى صدامها. وإذا كان الأدب الحواري يكاد ينحصر هذه الأيام ـ وخاصة بعد أحداث سبتمبر ـ في علاقة الحضارة العربية الإسلامية بالحضارة الغربية خاصة في أنموذجها الأمريكي، فإنني أعتقد بأن لا سبيل إلى أي حوار جاد وهادف ومثمر بين الحضارتين إلا بمراعاة ثلاثة عناصر: