العمل فرصة للدفع بالموقف الأمريكي الرسمي لأبعد مدى ممكن في التهجم على المسلمين والنيل من الإسلام. وهكذا تخطت إدانة ذلك العمل بضعة أفراد من المسلمين، لتنال من المسلمين كأمة وهوية، ثم لتتخطاهم أيضاً لتنال من الإسلام ذاته عقيدة وحضارة، وبالغت أمريكا في النفخ في مصطلح الإرهاب حتى أصبح اليوم مادة ثرّة للتنذر خاصة بعدما حددت أمريكا علاقاتها بغيرها حيال ما تسميه إرهابا وفق مقولة (من ليس معي فهو ضدي). وتبعت ذلك أحداث دموية تمثلت في احتلال أفغانستان واحتلال العراق وتأجج الصراع الدموي في فلسطين وهي أعمال لم تحظ في جلها بغطاء الشرعية الدولية ولم تتم في إطار القوانين والأعراف المتفق عليها دولياً، الأمر الذي أزعج كل دعاة الأمن والسلام والعدل في العالم، وكان الموقف الأوروبي من العدوان على العراق خير مؤشر على ذلك الانزعاج. غير أن الشعور المشترك بين دعاة السلام في العالم بأنه لأحل لكل بؤر التوثر في العالم بغير الحوار والتفاهم هو الذي حذا بكثير من المؤسسات الإسلامية إلى إعلان استعدادها للحوار على كل المستويات، لا لينسجم مع ما يريده هذا الطرف أو ذلك، وإنّما لينسجم بالدرجة الأولى مع الروح الجديدة التي تسود العالم اليوم، ومع مبادئ الشرعية الدولية القائمة على قرارات الأمم المتحدة وأسس القانون الدولي في احترام كامل للخصوصيات الدينية والثوابت الثقافية ومرتكزات الهوية القومية. ويبدو أن ذلك هو الذي أدى إلى ارتفاع الدعوات إلى اللقاءات الحوارية على مختلف المستويات خلال السنتين الأخيرتين، وهو شيء ايجابي لكنه – في اعتقادي – لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة مالم تراع فيه ثلاثة عناصر أشرت إليها في مقالة نشرتها صحيفة الدعوة الإسلامية منذ فترة تحت عنوان: «رأي في الحوار». نظراً لارتباط تلك المقالة بموضوع هذه الورقة. فها أنا ذا أوردها بالنص: شهد العقد الأخير من القرن الماضي أكثر من عشرين مؤتمراً وندوة حول الحوار بين الأديان والحضارات، وعجت المكتبات بكم غير مسبوق من أدبيات الحوار دينياً كان أو ثقافياً أو حضارياً.. وتسارعت وتيرة ذلك الحوار بعد ظهور كتاب «صموئيل هانيتنغتون» حول حتمية صراع الحضارات واشتدت الوتيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى انه لايكاد يمر يوم أو أيام إلا وتقرأ أو تسمع عن لقاءات حوارية هنا أو هناك.. ولعل من أولى الدلالات التي تفسر تلك الظاهرة هي القلق الذي يسود العالم، والخوف من المستقبل نتيجة استحواذ قوة واحدة على مقدرات كل البشر وتعاملها مع المجتمع الإنساني وفقاً لمصالحها ورؤيتها وبما يتفق