ويستشف من كل هذه المواقف الرسمية والشعبية حماس إسلامي منقطع النظير للحوار كمبدأ إسلامي أساسه نشدان الحق والبحث عنه والسعي إلى الحقيقةوالتماسها والقصد إلى مافيه الصالح العام. وإلى الحوار الحضاري بصفة خاصة في هذه الظروف التي يمربها العالم باضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية يمكن أن تكون لها آثارها السلبية إذا لم تتح الفرصة لحوار حضاري وثقافي جاد وهادف وصادق ينتج عنه تفاعل حضاري يقوم على قاعدة الاحترام المتبادل بالمعنى الأخلاقي الرفيع وبالمدلول الحضاري السامي. وإذا كنا نؤكد على كل ما ورد في إعلان طهران من مبادئ يجب أن يقوم عليها الحوار فإن ثلاثاً منها تكتسي أهمية فائقة باعتبارها ركائز لا يتم أي حوار هادف بدونها وهي: 1ـ الاحترام المتبادل. 2- الإنصاف والعدل. 3- نبذ التعصب والكراهية. فالأولى تقتضي وجود قواسم مشتركة تكون إطاراً عاماً وأرضية صلبة للحوار تتمثل في القيم الدينية والمبادئ الإنسانية والقواعد القانونية التي يجب أن يكون احترامها والتحرك في نطاقها أمرا أسياسياً حتى لا يتحول الحوار إلى ساحة لجدل عقيم أو تطاول على أقدار الناس أو مساً بمكانة الشرائع والمعتقدات. والثانية تقتضي وجود العدل والإنصاف باعتباره الشرعية الحضارية التي ينبغي أن تكون منطلقاً للحوار أيا كان مستواه ومهما كانت أهدافه، والعدل يقتضي المساواة بين الناس وبالإقرار بالحقيقة وهو إضافة إلى ذلك روح الشريعة الإسلامية وجوهر القوانين الوضعية. والثالثة تحتم البعد عن التعصب للمذهب الديني أو السياسي تعصباً يسد العيون عن حقيقة الآخر وطبيعته، وكذا التخلص من الكراهية المناقضة أصلاً للحوار والتي غالباً ما تكون سبباً في صراعات دموية. مستهدفات الحوار وإذا كان ما تقدم يمثل أسساً ومبادئ لإقامة أي حوار فاعل هادف، فإن للحوار أهدافا كثيرة لا يمكن التفصيل فيها في مقام كهذا، وحسبنا هنا أن نقف عند قوله تعالى (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم). ونقف في هذه الآية على مصطلح «التعارف» وهو غاية الحوار بين الأمم والشعوب