بعض هؤلاء معدوداً في أهلنا، لكن ذلك لم يتم لهم إلا عن طريق الوراثة والانتماء الوهمي المعطل. والعلمانية التي تتحدى جميع الأديان، وفي مقدمتها الإسلام منها لينةُ وصُلبة في نشر تعاليمها بين كل الأمم والشعوب، تحقيقاً لأن تصبح الأداة الفاعلة في تدمير العقائد وسلب أصحاب الديانات أي مظهر من مظاهر القيادة للإنسان. فاللّينة هي التي يستند أصحابها في بعض الحالات إلى النصوص الدينية. وهي التي تدعو إلى إقامة دولة لا دينية على أساس اعتبارات اجتماعية أو نفسية أو سياسية أو تاريخية. والصُلبة أو الأصلية هي التي تؤكد أن المعرفة الاجتماعية لا يمكن أن نجد انطلاق أساسها في المعرفة الدينية. ولإدراك جوهر العلمانية وآثارها نعود إلى المحاور التي أصّلها دعاتها. فجوهر العلمانية هو رفض لوجود أي وضع تشريعي سوى العقل الإنساني، وإن طريق انتهاكها للحدود الدينية وزعزعتها للنظم، وما تقوم عليه مبادؤها وأصولها من قيم وفلسفات، ليجعلُ دوافع الخير في هذا العالم متقلٌصة، ونوازع الشر متحكمّة، والوزعة الجبلية والدينية والسلطانية متهاوية. وقالوا في الإسلام: إنه لم يأت إلا بتوجيهات عامة وكليات المراد منها غرس الإيمان بالمبادئ المعيارية في النفوس. ويمكن أن ترد أسس المذهب العلماني إلى جملة من المحاور اقتضتها السياسة المادية ومناهجها الخطرة. ومن أهم هذه التجاوزات: محادّة الدين، والنزاع بينه وبين العقل، وتنويع المعرفة، وقصور الفقه الإسلامي. أما محادّة الدين فمظهرها: الأول: التشكيك في القرآن الكريم وفي الاعتداد بنصوصه، إذ كان من الواجب العمل بها وفق إطلاقها من غير تأويل يؤدي إلى تقييدها أو نسخها. الثاني: اعتبار العلمانية الوحي بعامة ليس من مقولة الحس ولا من مقولة الحدس، ولكنه تجربة داخلية عند النبي، فلا ينبغي أن يتخذ مرجعاً. ويكون من اللازم الرجوع إلى الاعتبارات العقلانية في عمليات التشريع كلها. الثالث: تحكيم العقل الذي يقتضي رفض أن يكون الدين والحقائق الدينية أساساً للنظام الاجتماعي، وقدرة الإنسان قائمة بمفردها بتحديد موقفه من الحياة بعيداً عن الدين. والرابع: إن الالتزام السياسي يجب أن لا يتأتى إلا من العقل الإنساني بعيداً عن الدين.