إسلامية تتلخص في جملة من المبادئ والأصول، نعد منها حرية الرأي والتعبير، وحرية الاجتهاد والبحث العلمي، واستعمال العقل الذي هو من نور الله والاحتكام إليه، واستخدام العلم ومناهجه. وإنهم بما اكتسبوه من ذلك هيأوا أنفسهم للاستخلاف في الأرض، والقيام بإصلاحها وأعمارها، كما أسهموا إسهامهم العظيم في نشر العلوم الدينية والشرعية واللغوية والآداب والعلوم الاجتماعية، والعلوم الطبيعية والتجريبية. اتخذوا طريقهم إلى الابتكار والتصنيع في العلوم المختلفة الطبيعية والرياضية والفلكية والطبية والهندسية ووضعوا قوانينها. فنشروا في أطراف العالم ما ضبطوه من أحكام، واكتشفوه من نواميس، وما قاموا به من اختبارات وتجارب. قال مؤرخ علم المنطق برانتل في معرض حديثه عن الفكر العربي والإسلامي: إن باكون ورث عن علماء العرب والمسلمين ما توصلوا إليه من أن التجربة هي أساس البحث في العلوم الطبيعية. وقد صنف علماء المسلمين كتباً متنوعة في مختلف العلوم، وكتبوا بحوثاً كثيرة ودراسات، وقاموا بإجراء تجارب واختبارات في القرون الوسطى. وإنها للنقلة النوعية الحضارية من الإغريق واليونان والهند والسريان، اكتسبوها بالبحث عنها والوقوف عليها، وبالدرس والاكتشاف في العصر الحديث. وما من تطور وتقدم علمي وتجريبي توصلوا إليه في تلك المجالات إلا كانت أصوله راجعة إلى جهود أسلافهم الحضارية من العرب المسلمين. وحين يتملكنا الأسى لما فقدناه من تقدم فكري، وازدهار علمي، وتفوق حضاري نجد أن سبب ذلك هو التحول عن القيم والمبادئ الإسلامية، والتفريط في مقومات وحدتنا وأساس نظامنا. وإن الصدوف عن مقوماتنا الذاتية قد لمسناه في الفتن والصراعات التي استمرت دهراً طويلاً. والويلات التي دكت صروحنا مع تعددها وتجددها، فكان بسببها الإهمال للعقيدة، والانصراف عن التربية الذاتية، ونبذ القوانين والأحكام الشرعية، وترك أسباب التقدم والرقي، والاحتكام إلى العقل والعلم. وهذا ما بنت العلمانية عليه مذهبها، وقام به الفلاسفة من قبل. وفي هذا يتمثل التحدي العقدي للهدي الديني، ونشر المذاهب الإلحادية.وهل التحدي إلا إلجاء إحدى قوتين للأخرى، بما يكون لها من سلطان تحمل معها الثانية على الانكماش، والشعور بالضعف وعدم القدرة على المزاحمة والمنافسة. وفي هذا تكمن أشد صور المحادة والتحدي وهي المباراة في الأمر، والحديا والمنازعة، يظهر بها القوي على الضعيف، فيحوله عن طريقه ويملي عليه سلوكاً ومنهجاً آخراً يفضله ويرضاه. فخصوم الإسلام ليسوا الإلحاديين أو العلمانيين وحدهم، بل ومن انضم إليهم من جهلة، ضلوا الطريق، وغابت عن مداركهم حقائق الإسلام، عقيدة وتشريعا وسلوكا، وإن كان