تخدم مصالح الناس، وتحقق مقاصدهم. تشمل كل المعاملات الاجتماعية والسياسية ونحوها، وتنفذ إلى الميادين النفسية، وإلى ميادين الحياة الشاملة للجماعة المسلمة، «لتكون مع تحقيق العدل والنصفة بينهم سبيلاً إلى تصفية النفوس وتخليصها من غبش التصور، وتحريرها من ربقة الشهوات، وسلطان المطامع، وظلام الأحقاد، وظلمة الخطيئة، وضعف الحرص، والشح». ويكشف المقطع الثاني من الآية الكريمة، الخاتمة للوحي الإلهي، عن فضل الله على المؤمنين، إذ وضعت لهم المثال الحي الذي صاغه الخلاق العليم للإنسان الذي لا يستكمل حقيقة وجوده إلا بمعرفة خالقه على الوجه الذي قرره الإسلام، ولا يبلغ منزلته السامية من الإيمان حتى يترسم خطى شريعة ربه ويلتزم بها حكماً ومنهجاً. فهو بذلك يعرف حقيقة نفسه، ويتصور دوره في هذه الحياة، وتتأكد له كرامته على ربه. فالإنسان لم يكن شيئاً مذكورا قبل تحرره من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، وقبل إقباله على شريعة الله يستنبط من أصولها ويلتزم بها، ويقف عند حدودها. فمن منن الله عليه أن جعل العزيز الحكيمُ الشريعة الطريق الواضح والمنهج الرابح الذي يواكب الإنسان، يَمْد عليه من ظلاله ولا يفارقه في كل مراحل العمر. فَخَلْق الله الإنسان على أكمل صورة، ووضعه الشريعةَ له، قصدَ أن يكون بالحق متبصراً ومهتدياً، جعلاه شاعراً بالنعمة، صحيح العقيدة، بعيداً عن الأساطير والخرافات في التقاليد والعادات والأخلاق والعلاقات الاجتماعية. لا يستبد به سلطان، ولا يرتد عن دينه إلى حياة الجاهلية، ولا يقيم وزناً للفوارق الطبيعية ولا للعادات الزرية، ولا يزعجه استبداد الماكرين، الذين يمارسون ألوان الظلم والقهر، رغم ما عندهم من سلطان قليل. فقوة الإيمان والصبر يمكنان المؤمن من المواجهة والصمود والثبات. والمقطع الثالث من هذه الآية هو أعلى ما يتوقُ إليه المؤمن، وخير ما يرغب فيه في هذا الوجود، وهو اختيار الله الإنسان ليكون عبداً مؤمناً، مخلصاً له الدين في توحيده، وحُسن عبادته، وأي شيء أعظم وأوفق بأحوال الناس من اختيار الرؤوف الرحيم لهم. وإن المؤمنين بما أنشأهم الله عليه من تربية دينية، وعقيدة صحيحة، وزكاء نفس، وكمال خلق، ومعرفة كاملة بالخير والشر لمنفتحون دون شك على العالم، قادرون مع توفر الجانب الديني الروحاني لديهم، على ابتلاء الحياة المادية، بما يمكنهم من مواجهة الكينونة البشرية والوقوف على دقائقها وأسرارها. انطلق المسلمون في هذا العالم يحملون مشاعر النور والهداية بما حباهم الله به من تعاليم