إن الله جل جلاله خلقنا فأحسن خلقنا، وهدانا إلى الإيمان والإسلام، ووضعنا بين آيتين كريمتين، آية بشرى وتقرير هي قوله عزوجل: (اليوم أكملتُ لكم دينكُم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً)( )، وآية نذارة وتحذير هي قوله سبحانه: (يا أيها الّذين آمنوا إن تطيعوا فريقا مِّن الّذين أوتوا الكتاب يردّوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراطٍ مستقيم)( ). فمن يتدبر الآية الأولى، ويمعن النظر في دلالاتها يجد الرحمن الرحيم قبل دعوته إيانا إلى لحق وهدايتنا إلى أقوم السبيل قد فطرنا على فطرته، وأقام وجوهنا لدينه، وأكد ذلك بإرساله الرُسل من قِبَله يدعون الناس إلى الخير، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وقام المرسلون والنبيون بالهداية إلى الرشد، إلى الإيمان بالله إيماناً صادقاً، وتوحيده توحيداً خالصاً. وعبادته حق العبادة، بإتباعهم منهج السلوك الإسلامي السوي، المستحق للتقديم والتقدير، فإذا هم عارفون بحقائق الإسلام الثابتة، مدركون لنعمة الله عليهم، مبتهجون بما أعلى سبحانه من شأنهم، ورفع من منازلهم، واسبغه عليهم من ألطافه ونعمائه حين خاطبهم من فوق العرش، وبشرّهم بقوله: (اليوم أكملت لكم دينكم)، جاعلاً عناوين البُشرى من هذه الآية في المقاطع الثلاثة التي ورد بها الخطاب: إكمال الدين، وإتمام النعمة، وعطفه تعالى عليهم ورحمته بهم بما اختاره لهم من هذا الدين الخاتم، ورضيه لهم ووفقهم إليه. (وكذلك جعلناكم أمَّة وسطا لتكونوا شهداء على النَّاس ويكون الرَّسول عليكم شهيدا)( ). وإكمال الدين يومئ إلى ما بين الإسلام وسائر الأديان من توافق وتفاضل، كلُّها يدعو إلى التوحيد ويهدي إلى الحق. ويتميز الإسلام بتشريعه ومنهاجه، ورسالته إلى الناس كافة. فهو يتناول حياة الإنسان من جميع أطرافها، وكُل جوانب نشاطها، ويضع للمؤمنين المبادئ الكلية والقواعد الأساسية التي تحكم كل التطورات والتغيرات زماناً ومكاناً، دون تغيير أو تبديل، ويضع لهم إلى جانب ذلك أحكاماً تفصيلية وقوانين جزئية ثابتة مبنية على توجهات وضوابط وتنظيمات وتشريعات