يحملون بأيديهم مشاعل الثقافة، يعملون منذ أمد على إشاعة اللاأبالية وتهميش المعتقدات الدينية وإضعاف التبعيات الثقافية وزعزعة القيم الأخلاقية للشرائح المختلفة خاصة الأطفال واليافعين في مختلف أنحاء العالم. وفي العصر الراهن والظروف الراهنة، لا شك أنه يمكن للتعاليم الإلهية والقيم الدينية بصفتها أهم مصدر لبناء الهوية أن توفر غطاءً أمنياً ومستقراً للأفكار الاقتصادية لمنظري العولمة والنظام العالمي الحديث وتلبي على أكمل وجه المتطلبات والاحتياجات الفطرية في كافة المجتمعات ولكافة الأجيال وفي كل العصور. إن الإنسان يعيش اليوم وأكثر من أي زمن مضى في هالة من الغموض والتعارض الروحي.. ففكرة العولمة الاقتصادية وانعكاساتها لا تعتبر الإنسان سوى أداة لا تريد منه سوى الإنتاج وضخ الأسواق العالمية بما يجعلها مزدهرة، أما ما تريده له_ في أحسن الأحوال_ الاستفادة من المنتوجات الالكترونية الحديثة والاتصالات الدولية والحصول على رفاه نسبي والسعي لإرضاء جانب الإثارة المادية لديه. إن ما يرسمه عصر العولمة للخصال الشخصية للإنسان، هو تكوين صورة عن إنسان لا هو متعلق بالماضي ولا هو متفائل بالمستقبل، لا هو يحمل هوية محددة ولا هو ينتمي لقومية معينة، لا هو يتمتع بالراحة ولا هو ينعم بالسكينة، لا هو مفعم بالأحاسيس ولا هو عاطفي، في حالة من الحيرة المستمرة قد شغله حب النفس والاهتمام بها، يتسم بالطمع، انتهازي، ذو نزعة مادية يبحث طوال الأربع والعشرين ساعة عن اللذة، لا يهدأ ولا للحظة واحدة، يملأ وجوده الاضطراب والهلع والكآبة والشعور بفقدان الأمن. كالتائه الذي لا هو يعرف من هو ولا يدري ما هي غايته أو منزله، قد سجن وجوده بين جداري الحياة الدنيوية، ولا يرى في نفسه رقياً وتطوراً. هذا الإنسان له حاجة كبيرة لم يجر تلبيتها، إنه بحاجة للتفتح، بحاجة للإفصاح عن مواهبه، بحاجة للفلاح والصلاح، في قاعدة من الإيمان والهدوء الأزلي. والإسلام قدم أكمل جواب لأكبر احتياجات الإنسان، والتربية الإسلامية مهدت أنسب أرضية لنمو وتفتح وكمال شخصية الإنسان. فالإسلام ومنذ أن بزغت أشعته على وجه البسيطة، جاء بأغنى نداء عالمي وأكثرها خلوداً.. ومع إلقاء نظرة عامة على تعاليم القرآن الكريم يتضح لنا بكل سهولة أن الكتاب العزيز يوجه خطابه الرئيس إلى الناس في كافة العصور (يا أيها الناس) وليس لعرق أو قوم أو مجتمع خاص. إن نداء الإسلام الحنيف والقرآن الكريم هو نداء عالمي وشامل.