ولا ينبغي تجاهل قدرة وقوة وأهلية الدول والشعوب المستقلة وتوفير المزيد من عوامل عزلة الدول الفقيرة. إذ لا ينجم عن العولمة وهيمنة الأقوياء سوى تهميش الدول الفقيرة. وفي الحقيقة أن العولمة تجربة لا يمكن أن يتمخض عنها سوى الإجحاف في توزيع الدخل على صعيد العالم، وكذلك إضعاف دور الدول في النشاطات الاقتصادية فضلاً عن ضعف وشائج التبعية الوطنية والثقافية. أما الرؤية الثالثة لمفهوم العولمة فيطرحها جمع من ذوي الرأي الذين يذهبون إلى ضرورة النظر لقضية العولمة من زاوية كونها محصلة استحالة أو تحوّل “Transformationalists” "غيدنز_ 1999" “Giddenz”. إن هذه المجموعة تعتبر وإلى جانب إقرارها بالعولمة كمحصلة، أن العولمة هي صيغة تغيير وتحول تدريجي، ويقولون بأننا نطوي حالياً مرحلة انتقالية ستمنح السياسة والاقتصاد فيها القرن القادم صورة جديدة لن يكون للمنتوجات والتقنيات الوطنية والشركات المحلية والصناعات اليدوية فيها حيزاً يذكر، كما لن يكون هناك مفهوم للاقتصاد الوطني بالمعنى الشائع في عالمنا اليوم. ولا يخفى حسب هذه الرؤية بأنه حينما تفقد مفاهيم ومصاديق كالشركات الوطنية والصناعات الوطنية والاقتصاد الوطني معناها المعاصر فإنه يصعب بطبيعة الحال التحدث بعد ذلك بمقولة الثقافة الوطنية (هيلد 1999 “Hell” ورايش “R-Rich” عام 1998). ورغم أن النظر لقضية العولمة يطغى عليها عادة الرؤية الاقتصادية لكن إفرازاتها السياسية والثقافية كانت بدرجة من الظهور ما يجعل التفكير بظـاهرة العولمة دون الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والجوانب الثقافية على نحو الخصوص، أمراً بعيداً عن المنطق. من هنا اهتم كثير من ذوي الرأي على الصعيد العالمي (واترز “Waters” 1995 وليتل “Litlle” 1996) في بحوثهم بالتعاطي مع ظاهرة العولمة من اتجاهين مع الأبعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية واعتبروا أن الخوض في القضايا الثقافية ضمن إطار محصلة العولمة ضرورة لا محيص عنها. لذا كان لزاماً أن يجري الاهتمام بقضية العولمة من الأبعاد الثلاثة الاقتصادية والسياسية والثقافية.. ألف: العولمة الاقتصادية تولي العولمة الاقتصادية أهمية خاصة للأمور التالية..