خلال العقد الأخير، حظي مفهوم العولمة (Globalization) بما ينضوي عليه من أسس نظرية متباينة وزوايا فكرية مختلفة باهتمام لفيف من ذوي الرأي والساسة، وشغل حيزاً ملحوظاً من المداولات والنتاجات الفكرية على نطاق مختلف الأوساط والشرائح. وفي الحقيقة أن العولمة محصلة آخذة في الاتساع بحيث طالت كافة الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وجعلت دول العالم برمّتها تخوض غمارها سواءً بشكل مباشر أم غير مباشر. وبعبارة أخرى، فإن العولمة هي عبارة عن محصلة لجملة من تطورات متسارعة في عصرنا الراهن تلقي بظلالها على الحدود السياسية والاقتصادية وتوسّع مديات الاتصالات الالكترونية وترفع من مستوى العلاقات الاجتماعية_ الثقافية على النمط الحديث. ذلك أن مفهوم العولمة هو ظاهرة متعددة الأبعاد، وأن آثارها تتسلل قسراً إلى كافة الأنشطة الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والقانونية والاجتماعية وخاصة الثقافية للمجتمعات البشرية. ولعله يمكن النظر لقضية العولمة في السنوات الأخيرة من زوايا ثلاث مختلفة.. الأولى هي أن العولمة بمثابة ضرورة حتمية لا مناص عنها.. ويذهب أنصار هذه الرؤية إلى حد الإفراط في نظرتهم لمحصلة العولمة ويعتقدون بأنه لابد من توظيف كافة الإمكانات العالمية بأقصى قوة وسرعة ممكنة من أجل التعجيل في تفعيل فكرة العولمة. وكما لا يخفى أن هذه النظرة تنضوي على مفهوم للعولمة ممزوج بهيمنة قوة السوق العالمية، وفي هذا السياق تعمد الإمبريالية الأميركية والأوروبية وبشتى الأساليب إلى التغلغل وبسط هيمنتها أكثر فأكثر من خلال تأسيس وتوسيع الشركات المعروفة بما يسمى بمتعددة الهويات وزرعها في دول مختلفة. وإلى جانب التأكيد على ظاهرة العولمة، يرى أنصار هذه الرؤية بأنه قد ولّى عصر نفوذ وسلطة "الدولة" و"الشعب"، وأن محصلة العولمة وسيادة الاقتصاد وهيمنة سوقه ستقود إلى بروز نظام اجتماعي جديد. الرؤية الثانية للعولمة هي رؤية نقدية يخالطها شيء من الشك “Sceptics”.. أنصار هذه الرؤية يرون أن فكرة العولمة بمعناها الدقيق لا تعدو في الوقت الراهن كونها حلم وهدف مثالي