في العالم القديم، كانت القوانين الآشورية والبابلية واليونانية والروسية تستقي معينها من العقائد والمدارس المشركة، حيث عملت على دفن آمال وتطلعات ملوك فارس وفراعنة (مصر) في التراب. مسلة حمورابي (2081 قبل الميلاد) التي تعتبر أمثولة الحضارة السومرية، وقانون ولائحة الحكم العرفي للروم واللذين اكتسحا في القرون المتأخرة المسيحية نفسها، لم ينجحا أبداً في عرض مدا ليلهما النظرية والعلمية بما يتخطى حدودهما العالمية الإدارية عند عمليات الغزو، وقد منيت جراء ذلك أفكارهم ونظرياتهم ومتبنياتهم وعولمتهم بالفشل وأفول إمبراطورياتهما المضمحلة. إن العالمية الإسلامية لتنطوي على أبعاد مختلفة، فعالمية اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والإسلام، ودولية الفارسية والتركية وانتشارهما في آسيا وأوروبا وشمال أفريقيا وفي مناطق المحيط الهندي وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، واتساع رقعة انتشار اللغة الجديدة (السواحيلي) في قارة أفريقيا، وظهور لغات محلية في بلدان مثل نيجيريا الحديثة، إنّما يعود الفضل في ذلك كله لعالمية الإسلام والعلاقات الثقافية، والسياسية، والاقتصادية للعالم الإسلامي في الاختلاط والتلاقح والاتصال مع المجتمعات والتجمعات الجغرافية والعرقية المختلفة. لقد كان نظام الأعداد والأرقام والهندسة العالمية في عالم اليوم من ابتداع وهدية المسلمين على نهج العالمية (الإسلامية)، وأن التطور وعولمة العلم والمعرفة من الجبر والفلك والطب وحتى إعادة صياغة أسس علم المعرفة والمجتمع والسكان والنفس، قد وجدت مداها من عالمية الإسلام. ثم أن الحج هو مظهر عظيم لعالمية الإسلام ينعدم مثيله في أي من المناهج والمدارس الدينية والسياسية والاجتماعية. فمن الزاوية العالمية لقضية الحج هو أنه يشكل أكبر حدث للوسط الثقافي يحصل بصورة مستمرة منذ بزوغ الإسلام وحتى يومنا هذا على مستوى عالمي. والحج هو الحدث التواصلي الاتصالي الفردي والثقافي الوحيد لدى الأمة، مما لا يرتكز إلى الوسائط المؤسساتية والإعلامية ولا للوسائل والمعدات والتقنيات، ويقوم في الأساس على ثلاثة مواضيع؛ هي الخلقة والوحدة والأمة. والحج هو التعبئة العالمية والشعبية الوحيدة، التي تقام من أجل السلام والأمن، فالملتقيات بأسرها والمؤتمرات العالمية يعرف الأشخاص فيها بمسميات مهنهم، مواطنتهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأزيائهم، وثرواتهم، وسلطاتهم بينما في عالمية الإسلام، ينفي الحج وهو أحد فرائض الإسلام المتعددة هذه المؤشرات الخاصة بالهوية بعيداً، فالحج إذن مؤتمر للأمم المتحدة. والقرآن الكريم هو اليوم أكثر الكتب المتداولة نسخاً وأعظمها قراءً، بلغته الأصلي، على مر التأريخ الإنساني. والمسلمون يتلون القرآن الكريم بلغته الأم (العربية) ولا يقرأونه بترجمته، بينما الإنجيل