والانتقال إلى النظام العالمي، حيث وسمه البعض منهم بأنه نتاج فرعي لا يمكن تفاديه والتنصل عنه في التكامل والتقدم البشري، وكأن هذه الظاهرة موضوعاً مبرماً لا يمكن التنصل عنه لأنه يجري ضمن سياقات سلطة القوانين الطبيعية. لكن هناك رؤية أخرى أيضاً تفيد بأن العولمة والانتقال إلى النظام العالمي المعاصر لا يشكل انبثاقاً بالضرورة عن تقدم طبيعي يسير العلاقات والصلات والاتصالات المألوفة لدى البشرية وضمن الثقافات الإنسانية المتنوعة في ارجاء المعمورة، بل إن هذا الأمر هو نتاج بشري من صنع الإنسان، وهو إرادة وانتخاب من مجموعة من الدول الكبرى والشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية التي تستفيد من ظهور مثل هذه الظاهرة المعروفة بالعولمة والانتقال إلى النظام العالمي. وتأسيساً على ذلك فأن العولمة في عصرنا الحالي هي ظاهرة معقدة تستبطن في داخلها تيارين وقوتين متناقضتين هما: أولاً التنمية الاقتصادية الهائلة والابتكارات التقنية، وثانياً انعدام التشاكل والتكافؤ المتفاقم في الأزمة الاجتماعية الثقافية، والاغتراب الفردي. إن عبارة العولمة تماثـل في هذه الأيام عبارة (التنمية الوطنية) التي أطلقت قبل عدة عقود، من حيث تأريخها القصير للغاية، وهي في بعض جوانبها نتاج ملفق لإعلام النظام السائد في العالم المعاصر. فمنذ عدة قرون وحينما كانت المحافل والمجتمعات والشعوب والحضارات تتحدث عن العرقية والقومية والأتنية والانتماءات الإقليمية، كان الإسلام المدرسة الوحيدة التي تتحدث عن عالمية (الإسلام) وعولمته والانتقال إلى نظام العالمي. إن عالمية الإسلام تتميز بكونها فريدة من نوعها من جانبين: الأول أن العالمية الإسلامية وليدة من سنخيتها النظرية والمذهبية والشكلية لعولمة إلهية دقيقة ومنتظمة وشاملة، تسودها العدالة، والآخر أن الإسلام هو المدرسة الوحيدة التي منحت هذه الرؤية العالمية تطبيقاتها العملية في التأريخ، فقد لعب ظهور الإسلام وانتشاره في التاريخ الإنساني دوراً فاعلاً إلى حد استثنائي في منح الثقافة والاقتصاد والعلوم والمعارف وجهتها العالمية. العلاقات التجارية والاقتصادية والمالية الدولية كانت سائدة في مستويات دولية محدودة منذ عمق التاريخ وخلال القرون الوسطى، لكن أول نظام عالمي للاقتصاد والتجارة والمالية في التاريخ وضع على يد المسلمين في حوالي القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وما طريق الحرير الذي يمتد من الصين وحتى سواحل البحر الأبيض المتوسط إلا تجل ملموس في حقيقته للنظام الاقتصادي العالمي. وعقب ثلاثمائة عام، أي في القرن السادس عشر جرى ولأول مرة إحلال النظام الرأسمالي كنظام عالمي محل النظام الإسلامي. إن عالمية الإسلام قد جرى تأسيسها على ركيزة الأخلاق الإسلامية في حين أن العولمة الغربية المعاصرة تتعطش للعثور على أخلاق تختص بها هذه الظاهرة، وتعني عالمية الإسلام انطواؤها على الانفتاح على كل العالم، في حين أن الليبرالية العالمية تعني جر العالم وعولمته باتجاهها وهو ما يعني بالضرورة التضاد بين العالميتين.