والمؤسساتي، لا يمكن إنكارها. فلو لم يمتلك المسلمون والأمة والدول الإسلامية خطة ودوراً محددين في مواجهة هذه التحولات، فإن الآخرين سيوظفونها لصالحهم، كما حصل في الثورة الصناعية قبل بضعة قرون، حيث سيكونون رهن سيطرة وقوانين وأخلاقية هذا الحدث. العولمة الغربية الحالية وعلى النقيض من الماضي لا تولي اهتماماً صرفاً لاحتلال الأراضي والثروات والعمالة والمصادر الطبيعية، وإنّما هدفها الرئيس السيطرة واحتلال العقول، وتعبئة المسلمين والسيطرة عليهم كمستهلكين ومتقبلين لمنتوجات وخطابات العولمة ضمن المنفذين لها. إن التناقضات الموجودة في قضية العولمة والتحول إلى النظام العالمي جمة في هذه البرهة، وما أزمة السيادة الشعبية في الغرب إلا أنموذج من بين نماذج هذه التناقضات، في حين أن الاتحاد الأوروبي مهد أوروبا من خلال المؤيدين العالميين، فجعله يتحدث باسم الوحدة الاقتصادية والسياسة لأعضائه. أميركا تتحدث عن حق سيادتها الوطنية وأطروحة حق الشفعة (حق الهجوم والصولة الأولى)، ففي التاريخ السياسي والدولي للغرب لا يوجد هنالك خبر للحقوق والقوانين العالمية، حتى جاء جان بودين (1530- 1596م) برسالته المتعلقة بمبدأ السيادة،ثم هوغو غروتيوس الهولندي (1583- 1645م) حيث وضع في السنوات اللاحقة بكتاباته التي تناولت العلاقات الدولية، أسس الحقوق الدولية في أوروبا، وبانتهاء حروب الثلاثين عاماً في سنة 1648م وتوقيع معاهدة وستفالي للسلام، جرى التعرف على مبدأ السيادة الوطنية وإطار النظام الشعبي_ الرسمي، من قبل البلدان الأوروبية. لقد تأسست الحقوق والقوانين الدولية المعاصرة من حيث المبدأ على ما ذهب إليه هؤلاء المفكرون الأوروبيون، ومن هنا باتت هذه القوانين مشرّبة بالنظريات والرؤى والتجارب الثقافية والتاريخية والدينية الغربية. وهنا لابد من أن نذكر أول وأشمل قانون دولي وضع في تاريخ الإنسانية، هو ما وضعه الإسلام، وبالضبط قبل (1000) عام من تأريخ وضع الأوروبيين للحقوق والقوانين الدولية للعالم. ففي الحقوق والقوانين التي أقرها الإسلام هناك مبدأ الحاكمية الإلهية وليس الحاكمية الوطنية، حيث يأخذ بالحسبان مصالح الأمة وليس مجرد المصالح الوطنية، وهذا المبدأ يهتم بالأمن البشري وليس بالأمن الداخلي والوطني لوحدهما، ويقوم مبدأ العدالة الاجتماعية كأساس للتشريع، لا مبدأ الاقتصاد السياسي والمنفعة. إن أسس السيادة والحاكمية الوطنية والمصالح الوطنية قد جرت صياغتها وتحديدها من قبل القوى الغربية الكبرى، حيث تقوم هذه القوى بإدارة دفة الحكم في النظم العالمية والوطنية ومن بينها الأنظمة القائمة في البلدان الإسلامية، هذا في الوقت الذي يتم سحق مفهوم الحاكمية والسيادة الوطنية تحت الإقدام، جراء ما يمارسه أصحاب اللعب السياسية الدولية من إجراءات وممارسات. إن العديد من ذوي الاختصاص قد أدلوا بدلوهم فيما يتعلق بموضوع العولمة