المفهوم الغربي عالماً مـسـتقلاً لا يوجد فيه مكان للآخرين، إذن كيف سيتسنى للثقافات غير الغربية المساهمة ولعب دور في توفير ظروف ومستلزمات الحداثة؟! وفضلاً عن ذلـك، وإذا كانت الحداثة على حد زعم هؤلاء المحللين الغربيين تمـد نظرها صوب المستقبل على نحو ذاتي، وتتكهن بالمستقبل على أنه جزء من الحال، فتقوم في النهاية بعكس صورة كيفية التقدم في المستقبل، فإن المستقبل على أساس ذلك سيكون لصالح المالك المطلق إلى حد بعيد، وأن الحداثوية عندئذ سوف لـن تشكـل هيمنة قطعية للغرب تضمن الفترة الراهنة له وحسب، بل وأنها ستجعله يمسك ببراثنه تلابيب المستقبل على هذا الأساس. لقد مني احتكار النخبة والغرب وهيمنتهم اليوم على المعارف والعلوم والسياسة والاقتصاد، بالفشل. وما يشهده عالم اليوم يختلف عما كان عليه في القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، فالقدرات العلمية والفكرية ويقظة الجماهير قد تجاوزت حدود القارتين الأوروبية والأميركية. فـإذا كانت العصرنة والعولمة تتحققان في المجتمعات عبر توفير الأجواء الحرة، وإذا كان نضوج الديمقراطية والمجتمع المدني (الحـضـاري) له صـلة مباشرة بتـنامي مثل هذه الأجواء على حد قول الغرب، فينبغي والحال هذه أن يتم التصديق بأن وجود الأجواء الرحبة والمتنوعة التي تكرست في نصف القرن الماضي على أساس السنة الإسلامية وبمساهمة تقنيات المعلومات والاتصالات بين مسلمي العالم وفي داخل وخارج البلدان الإسلامية، ستمهد الظروف المطلوبة لانبثاق نهضة تنمي مشروع تأسيس جامعة الأمة الإسلامية وتحقق العالمية والسيادة الشعبية الإسلامية. إن مقترح إنشاء جامعة للأمة الإسلامية، وعلى الرغم من اعتماده على وعي المسلمين في العالم وتعبئة الرأي العام الإسلامي، إلا أنه لا يغفل أبداً دور رجال الحكم والحكومات الإسلامية الأصلية في هذا العصر ممن يمتـلكون القدرة على تولي دورهم على المستويين الوطني والدولي وفي أوساط المنظمات والمؤسسات الدولية. إن الوحدة الإسلامية، والسيادة الشعبية الإسلامية، والأمة الإسلامية، والعالمية الإسلامية، والحرية والعدالة الاجتماعية، والقوانين والرؤى الإسلامية ينبغي أن تحل محل عبارة السياسة الخارجية الدولية، وذلك لما لتلك المسميات من هوية إسلامية، وأن يعمل (المسلمون) على احـترام قيمهم الثقافية والاجتماعية والدينية. قد يمكن تطبيق نهضة جامعة الأمة الإسلامية في بضعة بلدان إسلامية في بداية الانطلاق، لكن مثل هذه الحركة لو جـرت إدارتها بدقة وبصيرة ستجد لنفسها توسعاً وانتشاراً تدريجياً، فتضم بعد تغير البنى السياسية والاقتصادية التي ستنبثق على شكل محلي ووطني، كل البلدان والدول الإسلامية في كنف عضويتها ومشاركتها. إن التحولات والتبدلات التي تحصل هذا اليوم جراء ازدياد أعداد السكان والتنمية التعليمية والتربوية، والتقدم التقني، وما يطرأ على الاتصالات والمعلومات من تبدل على المستويين الإنساني