التي ينشدها الغرب ويدافع عنها، تروم فرض قيمها وأخلاقياتها على المجتمعات الإسلامية وعلى الآخرين، وهي علاوة عـلى ذلك تمتلك ركائز مادية واقتصادية وتقنية غير أنها تفتقر للنظرية والأفق السياسي والاجتماعي، وكما دللت تجارب وأرقام العقـود القليلة المنـصرمة، فـأن مثـل هـذه العـولمة والعالمية قد فرضها من الأعلى على الأسفل، ووجدت بذلك وجودها. إن ضــرورة إعادة الـنـظـر في التغيـيرات الحاصلة في النظام الدولي والعالمي المعاصرين، تحتم من خـلال التطـرق العابر لوصف الظروف وايلاء الاهتمام بتمخض معـايير ومؤشرات جديـدة وبالجـدوى المتـنامية للعوامل الثقافية المعنوية والدينية، وأفول اقتدار السلطة، وبالنتيجة التغير في المفاهيم والأساليب النظرية، لتحتم علينا بحث ودراسة ما يلي: ما هـو الـمقصود من العالمية؟ وكيف يتسنى تطبيقها؟ ومن هو الذي أو ما الذي يتولى إدارة دفتها؟ وما هي الأخلاقيات الجديدة التي تشتمل عليها مثل هذه البنى والتراكيب؟ وأي نـوع من الأفـراد تـؤمن لهم مصالحهم عبر ذلك؟ وإذا كانت الجماعات البشرية بعيدة عن بلوغ مرحلة العولمة، إذن ما هي المؤثرات والدلائل التي ينبغي أن تتوفر عليها العولمة والعالمية الإسلامية؟ وإذا كان العالم يتحرك باتجاه سلطة القطب الواحد، فما الذي يمكن أو يجب أن يكون عليه هذا القطب السلطوي؟ وما هي محاور الحركة والإقدام على إنشاء وتـأسـيس جامـعة الأمة الإسلامية التي تنطوي على تعدد الشعوب والثقافات والتراكيب التعددية المحلية والإقليمية؟ المداليل التي توصل لها الغرب في بضعة القرون القليلة الماضية ترتكز على أن السلم والديمقراطية يمكن تكريسها على المستويين الوطني والدولي من خلال التنمية الاقتصادية والاتـحادات والأسواق الحرة والاستثمارات، وان العلمانية هي المنقذة للبشرية. إن التجارب التي تمخضت عنها الحربان العالميتان الأولى والثانية، والحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، وظهور النزعة العرقية في أوروبا، والقومية في أميركا، والخـلافات السـياسية والثقافية في الاتحاد الأوروبي، والمعارك الإقليمية بدءاً من كوريا وفيتنام وحتى حرب الخليج الفارسي والهجوم الأخير على العراق، جعـلـت هـذه النظرية والأطروحة في ظل كل ذلك عديمة الجـدوى، والـيوم فـإن المحللين الغربيـين الذين يدافعون عن حـركة العـولمة المعاصرة ويتبنونها، يقومون عادة بتسويق مـشروع عن كيفية إجراء تعديلات في مرحلة الحداثـة وبما يصطلح عليه فوق الحداثوية، رغـم أن أحدى النتائج الأولية للتحديث هي هـذه (العالمية). وهذا الشيء هو الذي يؤدي إلى تدمير بقية الثقافات باعتبار انتشاره عن طريق انتشار المراكز الغربية في عرض الدنيا. إن عولمة العالم لهي أمر غير متسق، يحقق في ذات وقت الترابط والتواصل، الانهيار والزوال. فهو يخلق أشكالاً جديدة من التبعية المتبادلة التي تنعدم فيها أنباء الآخرين. ما يستند إليه هؤلاء المنظرون في استدلالهم يشتمل على التناقض من حيث الجوهر والماهية، فإذا كانت العولمة هي أساس العصرنة، وإذا كانت النقلة إلى العولمة تحقق حسب