المطاعم، والأزياء، والتقاليد الاجتماعية، التي تأتي مع الكتاب، والكاسيت، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية، وليس لدينا حتى تلك «الحمية» الفرنسية التي تحاول أن تصدر قوانين لحماية تراثها الثقافي أمام اندفاع المد الأمريكي! وقد ينبري من السطحيين من يقول: وأي خطر حقيقي يمكن أن يهددنا، إذا شاعت هذه المطاعم والأزياء، والتقاليد، والجواب هو المثل الفرنسي المشهور الذي يقول: «أخبرني ماذا تأكل، أخبرك من أنت» فالأكل والمشرب والتسلية واللباس تجلب معها مفاهيم بلد المنشأ وعاداته، وذلك يوضح الصلة الوثيقة بين هذه «الخدمات» وبين انفراط الأسرة، وضعف التدين، وانتشار الكحول والمخدرات، والجريمة المنظمة. وإذا كانت هذه هي المؤثرات الثقافية والاجتماعية، فإن الجانب الاقتصادي أكثر خطرا، لأن أمام كل مطعم أو مقهى أو متجر من الماركات الغربية المشهورة يقام في بلادنا ينهار أمامه عشرات المؤسسات الوطنية الوليدة، التي لا تملك أسباب المنافسة، مما يزيد من معدلات الفقر والبطالة، ويهز أركان الاستقرار الاجتماعي، ناهيك عن النزيف الدائم الذي يمثله هروب رؤوس الأموال الوطنية. غير أن الميل للتأثير على الثقافة الإسلامية قد اكتسب في الآونة الأخيرة شكل البرامج العملية والمؤسسات الثقافية، فعلى سبيل المثال أنشأت الإدارة الأمريكية مكتباً خاصاً في وزارة الخارجية للعلاقات مع العالم الإسلامي، وأنشأت محطة إذاعة وتلفزيون باسم «سوا» الغرض منها بث برامج معينة وإعطاء اهتمام خاص للشباب وكأن المقصود هو إنشاء جيل منحرف متحلل يشن الحرب على تقاليد قومه وثقافتهم. غير أن مجال الاقتصاد يتجاوز هذا المدى المحدود إلى صميم الهيكل الاقتصادي الوطني والقومي، فحين يقع الضغط لتأكيد حرية التجارة، والاستيراد والتصدير، والعمالة، وحرية الاستثمار، وغير ذلك من التسهيلات، فإن الطرف المستفيد حتما هو الدول المتقدمة صناعيا، والشركات المتعددة الجنسيات، التي تملك رؤوس الأموال الضخمة، وتستطيع أن تصبر على المنافسة حتى تقضي على المؤسسات المحلية، وتخلو لها الأسواق فتفرض الأسعار التي تعوض خسارتها أضعافا مضاعفة، وقد ظهرت بوادر الخطر في بعض الدول العربية التي استخفت بالشركات الإسرائيلية وفتحت لها المجال في بلادها. ومن الواضح أن المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد والصناديق الأخرى تمارس دوراً خطيرا ينسجم مع هذا التخطيط، وقد رأينا أن الضغط التحكمي الاعتباطي على سياسة التخصيص، وإبعاد الدولة عن واجبها في التخطيط المتكامل والرقابة، وخصوصا أمام