فردريك الكبير، مرورا بنابليون وبسمارك، والساسة البريطانيين، وأوضح أن الولايات المتحدة قد استفادت من دروس التاريخ، وانتهت إلى نمط جديد من القوة الإمبراطورية أطلق عليها القوة الناعمة Soft power وقد جاء في مقاله ما يلي: «لا يجب أن نقع في التقدير الخاطئ فإن القوة الضاربة Hard power لا يزال لها مكان في السياسة الأمريكية، لأنها المحصلة النهائية في منطق القوة، ولكن في منطقة التعامل اليومي فإن القوة الناعمة Soft power، هي العملة الناجحة، لأنها الأقل إكراها، والأقل ظهوراً. ومضى الكاتب قائلا: «لقد كان الأّسلوب التقليدي أن نضطر الدول الأخرى لأن يفعلوا ما نريد ولو باستخدام القوة المسلحة، ولكن اليوم فإن الفائدة الأكبر تتحقق حين تجعل الآخرين يريدون ما نريده، وذلك يتوقف على مقدار الإغراء الذي تحمله الأفكار، والبرامج والعقائد، والمؤسسات» ونوع الجوائز التي تقدم ثمناً للتعاون(1 ). ومضى الكاتب في عقد المقارنات بين مغريات التعامل مع الولايات المتحدة في حقول الصناعة والتجارة، مروراً بتفوق الجامعات الأمريكية على نظيراتها الأوروبية، ولم ينس أفلام هوليود، ومسلسلات التلفزيون الأمريكي! لقد اعتمدت الولايات المتحدة وسائل كثيرة لإرساء قواعد «العولمة» الأمريكية الأحادية، أحياناً بمشاركة من حلفائها الغربيين، وأحياناً بأعمال فردية ضد معارضة أولئك الحلفاء، ومن أبرز تلك الوسائل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، وأجهزتها السياسية والمالية والثقافية كالبنك الدولي، ومنظمة اليونسكو ومنظمة حقوق الإنسان، وغيرها، وكلها تخضع للتوجيه الأمريكي الواضح أو المستتر، وقد وضح الآن أن من أهداف إنشاء الأمم المتحدة هو منع قيام المحاور الجديدة، بدعوى الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين، أما الغرض الحقيقي فهو تنفيذ السياسة الأمريكية، وكان أول البراهين على ذلك – ولما يمض على إنشاء المنظمة سوى بضع سنين – إصدار قرار تقسيم فلسطين بإنشاء الدولة العبرية خلافاً لمنطق العدالة والتاريخ، (1947) ثم الهجوم الأمريكي على كوريا الشمالية، تحت أعلام الأمم المتحدة (1950)، ولا تزال الأمم المتحدة حتى اليوم تقوم بدور الغطاء الدولي لسياسات الولايات المتحدة في مهاجمة الدول الصغيرة، أو فرض الحصار عليها لأتفه الأسباب، وحين تحاول الكتل الدولية أو الإقليمية أن تعيد منظمة الأمم المتحدة إلى الدور الذي حدده ميثاقها المعلن، تبادر الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض، وإبطال أي قرار لا ترضى عنه، وخصوصا فيما يتعلق بإسرائيل، ويساعدها على ذلك وجود مقر المنظمة الدولية وأكثر المؤسسات المعاونة على الأراضي الأمريكية، وقد أشهرت الولايات المتحدة سلاح التهديد عند أول مبادرة استقلالية من جانب الأمم المتحدة؛ فقلصت