كإعلان مبادئ ويلسون الشهيرة التي أكدت الالتزام بحرية الشعوب، والعدالة للعدو والصديق، والسلام الدولي عن طريق عصبة الأمم، أو كما حددها ويلسون نفسه في خطاب شهير حيث قال: «تعاون عالمي لإحقاق الحق، تقوم به شعوب حرة، لجلب السلام والأمن لجميع الأمم، والتي تجعل من العالم – أخيرا – عالما حراً » غير أن هذه الآمال لم تلبث أن ذابت واحدة بعد الأخرى أمام رغبات السيطرة وأطماع السياسة الواقعية، ونفوذ الشركات الصناعية الكبرى، ووصلت الحضيض مع قوة «اللوبي» الصهيوني وتأثيره الواسع في دنيا المال والإعلام على النحو المعروف. لقد أكتسب الدور الغربي زخماً مضاعفاً مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولم يكن دخولها سعياً وراء مصالح إستراتيجية أو دفاعا عن النفس بقدر ما كان انحيازا للأصل، ونجدة للأسرة الواحدة، التي عبر عنها ونستون تشرشل حين قال في إحدى خطبه: «كثيرا ما تنسى حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تتحدثان لغة واحدة هي الإنجليزية». لقد قيل الكثير عن الهجوم الياباني على بيرل هاربور «ديسمبر 7/1941» وأنه كان السبب المباشر في دخول أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء الغربيين، ولكن الحقيقة هي أن الرئيس روزفلت كان يعمل بجد لإقناع الشعب الأمريكي بالانضمام للحلفاء وسط معارضة قوية خصوصا من جانب الانعزاليين، ولم يمنعه ذلك من استفزاز اليابان بكل الوسائل واستدراجها للحرب، كقيامه بإرسال الخبراء والأسلحة لدعم المجهود الحربي الصيني ضد اليابان»(1 ). وفي الوثائق التي نشرت بعد الحرب ظهر أن روزفلت قد ابتهج بالهجوم الياباني أيما ابتهاج لأنه أعانه على اكتساح معارضة المعارضين. لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية شريكاً رئيسيا نشطا في التحالف الغربي في الحرب العالمية، وكان دخولها ساحة الحرب سببا مباشراً لرجحان الكفة ضد المحور، وهي التي دعمت الإتحاد السوفياتي وساعدته على استيعاب الهجوم الألماني، وباشرت تنظيم مؤتمر يالطا الذي أشرنا إليه، ثم أخذت تدريجياً تتسلم زعامة المعسكر الغربي، وتمهد – بعد ذلك – لدورها «الأحادي» على المسرح الدولي ضاربة بعرض الحائط مصالح وآراء حلفاء الأمس. في عدد خاص أصدرته مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية «سبتمبر / أكتوبر 1997 عن عالم المستقبل حدد الكاتب يوسف جوف حلقات الإستراتيجية الأمريكية بين الحربين، ومجمل الظروف التي انتقلت بها من دور الشريك في التحالف الغربي، إلى مقعد الزعامة العالمية المنفردة، وعقد مقارنات ذكية مع عدد من الخيارات السياسية العالمية والإستراتيجية، ابتداء من