حكم بريجينيف أنني تابعت صحف الحزب الشيوعي ونشراته تتحدث عن «فضيحة» كبرى في بشكيريا وتدعو لمحاكمة المحافظ وقوميسار الحزب، أما الفضيحة فقد كانت العثور على مدارس قرآنية سرية، بعد عقود مستمرة من غسل الأدمغة ومطاردة الدين، وقد ظهر أن هذه «الفضيحة» كانت أوسع مدى حين زرت موسكو في أواخر حكم غورباتشوف وهو عاكف على تفكيك آلة الحزب الشيوعي الصدئة، حيث قال لي الوزير المختص بشؤون الأديان في جلسة ودية «لقد اكتشفنا وجود أكثر من خمسة آلاف مسجد ومدرسة يعملون سرا طيلة هذا الوقت، دون علم الحكومة أو سلطات الحزب!» وقد التقت الشيوعية مع الفكر الغربي في أن كلاهما كان يعتقد أنه يملك النظرية الحضارية المتفوقة، وأنه مدعو لفرض هذه الحضارة على الشعوب المختلفة التي لا تعرف مصلحتها، ومن هنا برز الحديث عن «الرسالة الحضارية» لبريطانيا وفرنسا في الشرق، ومن ذلك ما لخصه جول هيرمند (Jules Harmand) أحد أهم الدعاة للاستعمار الأوروبي في بداية القرن حيث قال: «أن من الضروري القبول بمبدأ هام كنقطة انطلاق، أن هناك طبقات من السلالات والحضارات، وإننا «الغربيون» ننتمي إلى السلالة العالية والحضارة المتفوقة. إن القاعدة الشرعية للفتوحات الغربية ضد السكان المحليين، هو الاقتناع ليس فقط بقوتنا العسكرية، والاقتصادية، والآلية، ولكن بتفوقنا الأخلاقي. أن شرفنا يرتكز على هذه الموهبة، ويؤكد حقنا في قيادة الإنسانية، والقوة العسكرية ليست إلا وسيلة لتحقيق هذه الغاية»(1 ). دور الولايات المتحدة الأمريكية جاء دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحلبة الدولية وسط هالة عريضة من الآمال والتوقعات الزاهية «أليست هي الأرض الموعودة للمهاجرين الأحرار الذين فروا بأديانهم وعقائدهم من الاضطهاد والتعصب في القارة القديمة؟ كما أشار صمويل آدامز أحد قادة الثورة الأمريكية في إحدى خطبه «طردوا من كل زوايا الأرض، لكن عشقهم لحرية الفكر، وحق الاختيار في قضايا الضمير، قادهم لهذا البلد السعيد كملجأ أخير» وقد ساعد على رسوخ هذه الآمال عوامل كثيرة منها أن الولايات المتحدة قارة مترامية الأطراف كثيرة العدد، غزيرة الثروات ولا تحتاج للتوسع الإقليمي، أو المزيد من مصادر الثروة، وهذه الحقائق يمكن أن تجعل منها قاعدة لتحقيق التوازن العالمي، ومناصرة قضايا الحرية والاستقلال، ومن الإنصاف القول أن التاريخ الأمريكي قد اشتمل على مواقف شدت إليها عواطف الشعوب الصغيرة ردحا من الزمن،