كانت حروباً بين الدول الغربية نفسها، - على الأغلب – إلا أن الطرف المنتصر كان يواصل مسيرة التقدم، ومثال ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية استفادت من الأبحاث الأًلمانية حول الطاقة النووية، وورثت إنجازات الريخ الثالث واليابان في مجال الصناعات الحربية الأخرى، كما أن الصراع بين الدول الغربية لم يؤد لظهور محور جديد حقيقي على المستوى العالمي، وهذه الظاهرة – في ذاتها – تستحق الاهتمام؛ ذلك أن الحروب وخصوصا الحروب الكبيرة كانت دائما تهيء الظروف لظهور قوى جديدة، إلا أن عجز الحربين العالميتين عن إفراز مثل تلك القوى لم يكن – أيضاً – من قبيل المصادفة، لأن الدول «الغربية» المنتصرة حرصت قبل نهاية الحرب الثانية على تعطيل مسيرة التاريخ أو خيل إليها أنها تفعل ذلك، فكان مؤتمر يالطا «فبراير 1945» الذي ضمن توزيع أسلاب المحور على الدول المنتصرة، وقسّم مناطق العالم بينهم حتى تلك التي لم تصلها الحرب، وذلك لكي تمنع قيام محاور جديدة، وتعطل ماسمي حينذاك New Polarisation (الاستقطاب الجديد). وقد يثير التساؤل أننا أدخلنا الاتحاد السوفيتي في المنظومة الغربية، والحقيقة أن هناك أكثر من سبب لذلك، فروسيا القيصرية كانت تعتبر نفسها دائماً دولة أوروبية، وشريكا أصيلا في الحضارة الغربية «المسيحية» ولم يغير الاتحاد السوفيتي هذه النظرة، وكانت الشيوعية هي الأسلوب المختار لتوسيع تخوم الإمبراطورية الروسية، وسحق مقاومة الشعوب المغلوبة، ولاسيما الشعوب الإسلامية في القوقاز. فالخلاف – إذن - لم يكن على الأهداف النهائية بقدر ما كان على الوسائل وأسلوب الخطاب لتحقيق تلك الأهداف. وإذا كانت «العولمة» المعاصرة قد اعتمدت الغزو الثقافي كأحد ألأسلحة لحماية الغزو السياسي والاقتصادي، وشل القدرات الوطنية عن المقاومة، فهو سلاح قديم أيضاً استخدمه الاستعمار القديم على نطاق واسع، وخصوصا في العالم الإسلامي، فالدولة الشيوعية حرَّمت دراسة القرآن الكريم، وأغلقت المدارس الدينية، ومنعت بناء المساجد، إلا في الإطار الذي يخدم السياسة الشيوعية، ويفتح لدعاياتها مسارب في العالم الإسلامي، في الوقت الذي اعتبرت «الإلحاد» المحور الأساسي للثقافة والفكر، وفرضته مادة إجبارية في برامج التعليم، وتعاملت مع الدين كقوة «معوقة للحضارة ويجب أن تقاوم بشدة»(1 ). ومع اكتمال دائرة الشيوعية نحو الدمار الشامل، ظهر أن هذه الأساليب المصطنعة لم تستطع أن تكبح تطلعات الإنسان نحو الله أو تعلقه بتراث الأجداد. لقد زرت الاتحاد السوفيتي خلال العهود الأخيرة المتقلبة وشاهدت التجربة عن كثب، وأذكر في منتصف السبعينات أبان