ومن الضروري القول أن مولد الإمبراطوريات ونموها وتوسعها لا يأتي – تماماً – وفق تخطيط مسبق، ترتبط فيه المقدمات بالنتائج، وكثيراً ما يأتي ثمرة لعوامل «ديناميكية» داخلية يصعب تحديدها في الدولة نفسها أو في المنطقة المحيطة بها، وهي أقرب ما تكون إلى قوانين الطبيعة «التي تركه الفراغ» كما يقول رابيليه، ذلك أن الرياح تندفع من مناطق الضغط العالي إلى الضغط المنخفض، في سلسلة من الأسباب يعرف الإنسان بعض حلقاتها، حتى يصل إلى الأسباب المجهولة، والأسئلة الحائرة التي لا يجيب عنها سوى القرآن الكريم في قوله: «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه في السماء» وأسلوب التتابع في الأسباب الطبيعية (Cosmologique) هو الذي اعتمده بعض الفلاسفة لتأكيد وجود الذات الإلهية والخلاصة إن في أسباب قيام الإمبراطوريات واتساعها، جوانب يصعب إخضاعها للبحث العلمي المجرد. نقول كل ذلك لكي نصل إلى مجموعة من الحقائق أولها أن «العولمة» الراهنة كما نراها الآن هي الشراب القديم في آنية جديدة «وأنها لا تعدو أن تكون أسلوباً مختلفا تمليه ظروف الزمن وطبيعة المرحلة، وأن أهم دواعي نجاحه وخصوصاً في المنطقة العربية – الإسلامية هو حالة «الفراغ» والتفكك التي تصبغ حياتنا السياسية والاقتصادية والفكرية، وسوف نتعرض لذلك في اختصار. الغرب… والعولمة.. والنظام العالمي الجديد في دراسات حول الأدب الألماني قال توماس كارليل: «أن عناصر ثلاثة هي عمد الحضارة الغربية: البارود، والطباعة، والديانة البروتستانتية» وإذا اعتبرنا العنصر الثالث أمراً يعكس حماس الكاتب للمسيحية عموما ولمذهبه بشكل خاص، ويشكل اعترافا بعلاقة «التبشير» بالتوسع الاستعماري للدول المسيحية، وأن ذلك التوسع قام – ولا يزال – على دعامتين القوة المسلحة، ووسائل النشر والإعلام، ولا تزال هذه السمات واضحة للعيان، بل تزداد ضراوة مع تطور وسائل الحرب وأسلحة الدمار، واتساع حقول الإعلام الغربي عبر أجهزة وأدوات غير مسبوقة في قوتها ومدى انتشارها وتأثيرها. واندفاع الحضارة الغربية نحو العالمية ظاهرة قديمة قبل عصر كارليل في القرن الثامن عشر، فحين كانت قوة الدول الغربية في طريقها للنمو كانت الدولة العثمانية أهم مراكز المقاومة في طريق الانحدار، وكانت تحتل ـ بجدارة ـ مكانة «رجل أوروبا المريض»، وتفقد مواقعها واحدا بعد الآخر. ولم تعطل الحربان العالميتان الأولى والثانية قوة المد الغربي، رغم أنها