المسلح، وفرض الحصار والعقوبات على كل من يحاول أن يشذ عن الخطوط المرسومة لدوام الهيمنة الغربية على مصائر الشعوب، وتبدو هذه النزعة أوضح ما تكون في تخطيط الصهيونية العالمية المتحالفة مع الغرب، والتي استطاعت أن تتسلل لقلب التحرك الغربي، حين تدّعي هي أيضاً العمل للسلام، ولكن من خلال ديمومة الظلم، وبقاء الاحتلال، وتصفية الشعب الفلسطيني، والانطلاق بعد ذلك للسلام العالمي الإسرائيلي Pax Judaica وهم يغنون أنشودة السلام التي صورها تاسيتوس! هذه النزعة الإمبراطورية وجدت في الغرب طبقة من الفلاسفة والكتاب، الذين يرتادون آفاق التوسع ويتطوعون برسم الإطار الفكري للاستعمار الجديد أمام الساسة والقادة، أو يتخيلون الأخطار المستقبلية التي يمكن أن تهدد الإمبراطورية من الداخل أو الخارج، ويصعب تحديد من يقوم بالدور الأول في المعادلة، الا أن المسلم به ان المؤسسة السياسية الغربية تستفيد فائدة كبرى من انتاج مراكز الدراسات الاعلامية والاستراتيجية، عكس دول المشرق حيث يقع طلاق بائن بين الفكر وصناعة القرار السياسي، وحيث ينظر كل فريق للآخر بعين الريبة والحذر. لقد نشر الباحث الاستراتيجي صموئيل هانتينغتون مقالا مشهورا في مجلة الشؤون الخارجية في صيف 1993، تحت عنوان «صدام الحضارات» ثم ضم إليه أبحاثا أخرى في كتاب، وأضاف على العنوان القديم «اعادة رسم النظام العالمي»، وقد التزم الكاتب عبر مقالاته تقسيم العالم إلى نوعين من الناس: الغرب والباقي West and the Rest وكأننا نشهد عودة نزعات القرن الثامن عشر العنصرية التي صورها كيبلنج «الشرق شرق والغرب غرب، ولن يجتمعا!». لقد أخذ الكاتب على عاتقه تحليل ملامح الحضارات المعاصرة ومكوناتها بهدف واحد، هو تأكيد حتمية مصادمتها للغرب، وكيفية الوقاية من الخطر، ثم ينتهي للتساؤل التحذيري «عما إذا كانت المؤسسات الدولية وتوزيع القوة. وسياسات واقتصاديات الدول، في القرن الواحد والعشرين ستعكس قيم الغرب ومصالحه، أم أنها ستتشكل أولا بقيم الإسلام والصين ومصالحهما؟ وقال «أن النظرة الواقعية في العلاقات الدولية توحي بأن الدول التي تمثل الحضارات غير الغربية سوف تتحالف لتقيم توازنا مع قوة الغرب المسيطرة ( )، وقد عكس هذا الاتجاه الكاتب الأميركي الياباني الأصل «فرانسيس فوكاياما» في كتاب أثار نشره أصداء واسعة بعنوان «نهاية الحضارة والرجل الأخير». والكتاب كله يدور حول فكرة واحدة، هي أن الحضارة الغربية هي نهاية المطاف، وآخر مايمكن أن تفرزه العبقرية الإنسانية، وليس أمام الآخرين سوى أن ينتظموا في هذا الصف!