مقدمة ربما كانت «العولمة» (Globalisation) ومثلها النظام العالمي الجديد (New World Order) تعابير حديثة دخلت في قاموس السياسة المعاصرة، وحددت إتجاهاً جديداً في التعامل الدولي، إلا أن الجوهر أو المحتوى ليس بالشيء الجديد على الإطلاق، كما سنرى بعد قليل، فقد أوضحت مسيرة التاريخ الإنساني الطويل أنه ما من قوة دولية تظهر على المسرح إلا حاولت التمدد على حساب الجيران أولا، قبل أن تتربع على خارطة العالم بعد ذلك، ومن هنا ظهر ما سمى Pax Romana أو Pax Britanica أو السلام الروماني، والسلام البريطاني، أو غير ذلك من أنواع السلام، التي بدأت بحروب صغيرة لتدمير المقاومة المحلية أو الإقليمية، ثم حاولت فرض نمط خاص من السلام على المنافسين الأقوياء نسبياً، قبل أن تذوي القوة الجديدة وتضمحل إما بعوامل الزمن وأمراض الشيخوخة، أو الصدام مع قوة جديدة تظهر في الأفق، وهكذا دواليك. وفي كل هذه الأحوال يكون التوسع والامتداد هو أحد العوامل التي تؤدي للانهيار في المدى الطويل، كما عبر نابليون في مقولة مشهورة حين قال: «أن الإمبراطوريات تموت دائماً بمرض التخمة!» وكأن جوفها يعجز عن هضم ما يدخل فيه من الأقاليم والشعوب المختلفة. ويلاحظ دائماً أن الأهداف الحقيقية للتوسع الإمبراطوري وهي السيطرة والإستغلال وحكم الآخرين، كثيرا ما تختفي وراء إدعاء مرغوب وهو إقرار السلام العالمي، لكنه سلام القبور والجثث الهامدة، التي لا تبدي معارضة أو مقاومة للغزاة الجدد، كما يقول الشاعر الروماني تاسيتوس في أشعاره عن حروب الرومان «أنهم ينهبون، أنهم يذبحون، أنهم يسرقون، هذه الألقاب الشنيعة يسمونها إمبراطورية، وحين يحيلون الأرض إلى صحراء جرداء يسمونه سلاماً!». وهذه النزعة القديمة الحديثة تبدو واضحة كلما تحدث السياسيون في الولايات المتحدة والدول الغربية عن فهمهم للسلام العالمي والاستقرار الدولي بقوة الأحلاف العسكرية، والتدخل