إعلام تتمتع بخصائصها الذاتية المناسبة لظروف مكانية وزمانية ومضمونية خاصة، وظهور وسائل إعلام جديدة لن يفقدها مكانتها واعتبارها السابق، بل ربما شجعها لتكون ذات دور تكميلي ضروري لوسائل الإعلام الجديدة. ما حصل للسياحة كان من هذا النمط، فقد بدا للوهلة الأولى أن دخول العالم إلى المنازل عن طريق التلفاز، سيبدد إلى حد كبير تلهف الناس لرؤية عجائبه وغرائبه خاصة وأن ذلك يتطلب تكاليف مادية عالية. لكننا لاحظنا في هذه الحالة أيضاً أن المعرفة الإجمالية بجماليات العالم والتي وفرتها وسائل الإعلام العامة، أضحت مشجعاً للناس في العالم على مشاهدة هذه الجماليات عن كثب، كما غدت دليلاً ومعلماً جيداً لهواة السياحة في العالم. فيما يخص الدور الإتصالاتي للسياحة في العالم المعاصر، يمكن أن نضيف أنه على رغم هيمنة وسائل الإعلام العامة الحديثة واعتبارها معجزة العصر وظاهرته الأبرز، بيد أن نظرة دقيقة منصفة تدلنا على تفوق الإتصال الفردي المباشر كالسياحة على وسائل الإعلام الحديثة، من حيث الكفاءة والقيمة الإتصالاتية، سيما حينما تصطبغ أرضية الإتصال باللون الثقافي والديني. ففي هذا النوع من الإتصال، نستعيض عن وسائل الإعلام غير العاقلة، بالإنسان كوسيلة إعلام معقدة وفاعلة تتمتع بكل الإمكانات الإتصالاتية الخاصة. في السياحة، وخلافاً لباقي صنوف الإتصال لا تنتقل الرسالة وحسب، بل ينتقل كل النظام الإتصالي بكافة سماته الإنسانية والثقافية. وفي السياحة يعود للنقاش حول أرجحية المضمون أو الوسيلة من معنى، وهو من النقاشات الأساسية في علم الإتصالات. فسواءً اعتقدنا بأهمية المضمون أو بأهمية الوسيلة الإعلامية، فإن الخطاب والوسيلة هاهنا كلاهما هو الإنسان. في الإتصال الفردي المتأتي عبر السياحة، يحتل الإنسان مركز الإتصال، وبمقدوره في الوقت ذاته استصحاب سائر الأنظمة الإتصالية معه من قبيل الكتاب وغيره، فيضفي على اتصاله تكاملاً أعمق وأرسخ. من جهة ثانية، واضح أن هذا الإتصال من نوع الإتصالات المباشرة وجهاً لوجه بكل ما لها من حسنات وميزات إيجابية. في هذا اللون من الإتصال، تعود المراودات إلى صانع الإتصال أو المتصل بشكل أكمل جداً، وبسرعة فائقة في الوقت ذاته. وهذه المسألة من أبرز مشاكل وسائل الإعلام العامة التي تحاول المؤسسات مواجهتها بتأسيس وحدة علاقات عامة، أو باستخدام أدوات اتصال تكميلية كالهاتف أو البريد، عسى أن يتغلبوا عليها بعض الشيء. وبالطبع، فإن قيمة هذا النمط من المردودات، وبسبب نقصها وعدم مزامنتها لعملية الإتصال، لا تقارب بحال من الأحوال مع