العولمة. ولا يقصد (ويكل) من إثارة فكرة نبذ العرف مجرد "الحصول مجدداً على معنويات غير سياسية"، بل المراد التأكيد على العمل المتبادل بين مجالي الدين والسياسة، أي تلك العلاقة التي يقول عنها جيف هينس بأنها تسهل بواسطة تنوع إفرازات العولمة وتتسع عن طريق ثورة الإتصالات.(1 ) على كل حال، يذهب هينس إلى أن عولمة الإتصالات سهَّلت عملية نمو الشبكات الإقليمية والدولية للأطراف الدينية والتي تعمل على رفد بعضها الآخر فكرياً، هذه الشبكات يمكن أن تحظى بدعم مالي من قبل المؤسسات التي تهدف في الأساس إلى توفير الرفاه لمجتمعات دينية دولية وتنميتها(2 ). وحسب تعبيره، فإن الإسلام بصفته نظاماً دينياً واجتماعياً وثقافياً، سعى إلى تسنّم موقع الريادة العالمية وتحوله إلى دين عالمي من خلال إيجاد مجتمع ديني دولي(3 ). وعلى العموم إستعادت الأهمية السياسية للدين بريقها في السياسة الدولية بعد أن بدأ يخبو باطراد في مطلع القرن السابع عشر، إستعادت مرة أخرى بريقها أواخر القرن العشرين بدعم من حركة عولمة الإتصالات وتبلغ ذروة مراحلها السياسية(4 ) ومثلما يصدق هذا الأمر على الإسلام صدق أيضاً على المسيحية.(5 ) ويشير مالكوم واترز إلى نقطة ظريفة عندما يتطرق لمفهوم العولمة لدى روبرتسون، إذ يقول بأن روبرتسون يرفض المذاهب الشائعة بشأن حب الدنيا كمحصلة المجتمع الرئيسة، ويميل إلى التحولات الأصولية الإسلامية التي تعبِّر عن العلاقة بين الدين والسياسة في المقياس العالمي.(6 ) وفضلاً عما أشير إليه آنفاً، فإن متبنيات الأديان العالمية التي تقر بأن العالم مخلوق من قبل إله واحد وما البشرية إلا مظهر لوجود الله تعالى، ظلت منذ القدم القوة المحركة للعولمة.(7 ) على كل حال، وبصرف النظر عن الواقع والمسيرة المتنامية المذكورة، فإن تعاليم الدين الإسلامي تمتلك إمكانات جمة للعولمة الحقيقية. إذا كانت ضرورة العولمة الحقيقية هي الإيمان بالحقيقة الغائية والوجود الضروري ورؤية توحيدية ونظرة للعالم على أنه كل منسجم وواحد ومخاطبة الإنسان بعيداً عن الحدود الجغرافية والثقافية والإقرار بوجود الذات والغاية بالنسبة للإنسان وكل العالم، فإن القرآن الكريم مليء بالآيات الشريفة التي تقر هذه المفاهيم.