هذا فضلاً عن أن آراء الفلاسفة الإسلاميين وخاصة الملا صدرا وموضوع الأصالة تفيد بأن الوجود والوحدة رغم كثرتهما فهي تقر هذه الحقيقة، حيث يمكن الرجوع في هذا الباب إلى مؤلفات العظماء كالملا صدرا وابن سينا وخواجه نصير وآخرين كالذين قاموا بشرح نتاجاتهم وذلك للتزود وإغناء أرصدتهم الثقافية. إن كاتب المقال ليأمل أن يحظى بالإتكال على الله تعالى بهذه الفرصة وهذا التوفيق. وهنا نشير إلى عدد من آيات القرآن الكريم على سبيل المثال وبما نحمله من بضاعة مزجاة وتتناسب مع موضوع المقال. نفتح القرآن الكريم وإذا بالسورة المباركة الأولى تواجهنا وهي تبدأ بالحمد والثناء لـ "رب العالمين" التي تنطوي في معناها على وحدة الدنيا والآخرة بصفتهما كلاً منسجماً نافياً لأي نوع من الثنوية فضلاً عما تحمله العبارة من دلالات اجتماعية وسياسية خاصة. بعبارة أخرى، إن الإيمان برب العالمين لا يمكنه أن يبقى على مستوى عقيدة نظرية ودينية ولا يكون له آثار تربوية وإدارية في ميادين الحياة المختلفة سواءً الفردية منها أو الجماعية، بل إن ضرورة الربوبية عدم الفصل بين الجوانب المختلفة التي ترجع بنحو أو بآخر إلى أصل ومبدأ واحد. وبتعبير آخر، إذا كان الله تعالى رب للعالمين بالضرورة فهو المعني بالتكوين والتشريع والتنسيق بين كل ذلك. المرحوم العلامة الطباطبائي يقول في تفسير "رب العالمـين" بأن المراد من "الرب" هو حقيقة المـلك دون المـلك الإعتباري مضيفاً أن "من المعلوم أن الملك الحقيقي لا ينفك عن التدبير" (الجزء الأول، صفحة 21). أما آية الله جوادي آملي فيقول في تفسيره لعبارة "رب العالمين" بأن الربوبية تعني إرشاد وقيادة الشيء إلى الكمال، وأن الربَّ من له الأهلية على هداية وإرشاد الأشياء نحو الكمال وتربيتهم وأن هذا الأمر مكنون وثابت فيه. ثم يضيف سماحته بأن مفردة الربِّ لا تطلق بصيغتها المطلقة وغير المقيدة إلا على الذات الإلهية المقدسة، وأنه لا يوجد في عالم الوجود أكثر من رب. ثم أن مفردة "العالمين" تشمل كافة العوالم التي سبقت عالم الدنيا وعوالم ما بعد الدنيا (البرزخ والقيامة) وكذلك عالم الإنسان، وعالم الملائكة وسائر عوالم الوجود. إن إعادة الآيات والظواهر المختلفة إلى أصل واحد يعد ضرورة ملحة في العولمة الحقيقة تجسدت في إطار عبارات قرآنية مختلفة مثل؛ "له ما في السموات وما في الأرض"، و"لله ما في السموات وما في الأرض"، و"بكل شيء محيط"، و"خالق كل شيء"، و"بديع السموات والأرض"، و"رب الناس"، و"ملك الناس"، و"إله الناس"، و"فاطر السموات والأرض"، و"له ملك السموات والأرض"، و"مالك الملك"، و"له الحمد" وما شابه ذلك مما يفصح عن النقطة التي أشرنا إليها. الآية (115) من سورة البقرة