حضارات دينية تبحث في مسيرتها المتنامية عن الدلالات الإجتماعية لمنطلقات النظرية. وكما سبق القول في موضوع العولمة الحقيقية، يمكن اعتبار أن العولمة قد تحققت فقط حينما نلاحظ نوع من الميل نحو الذات والنزعة الغائية والنزعة المنشئية والمبدئية بالنسبة للطبيعة والإنسان، الأمر الذي يؤكده الواقع الذي يعيشه العالم. في الواقع أن عالم اليوم وفضلاً عن مقته للإلحاد والعلمانية فهو يبحث عن تجليات مصداقية واجتماعية لعقائده الدينية. وفي الظروف الراهنة فإن المواجهة مع النظام الرأسمالي لن تنبثق منها النظام الإشتراكي القائم على الإلحاد. ولكن لا شك أن المواجهة مع النظام الرأسمالي وأسسه والضرورات النظرية للعصرية وعلمانيتها في الظروف الراهنة ستؤدي إلى النظام الديني الذي تختلف مقوماته سواءً الإجتماعية أو الإقتصادية أو الثقافية عن النزعة التوسعية والنفعية الرأسمالية. في خضم ذلك، سيتفوق وسيعم الدين الذي يتمتع بقدرة استيعاب ومؤهلات عالية وبما يمتلكه علماؤه ومفكروه من جهة أخرى من تدبير وبعد النظر اللازم، ويتجنبون في ظل التعاليم الدينية ونزعتها الذاتية وإلى جانب الإستفادة من التجارب التأريخية لبني البشر والإعتراف بسائر الأديان، الوقوع في النزعة التوسعية الخاوية من أي أساس. في هذا الإطار يحظى الحوار بين الأديان بأهمية خاصة. في الظروف الراهنة التي يجب أن يصحبها فهم لروح الزمن، لا بد من الوصول إلى وحدة مستقرة ووفقاً لما يذهب إليه القرآن الكريم، وذلك على أساس القواسم المشتركة بين الأديان والمتجسدة في الأصل على التوحيد والنبوة والمعاد والمبادئ الأخلاقية المشتركة. ولا جدال من أن فهم روح الزمن وتحولاته وخلق الأرضية للحوار بين الأديان والعمل من أجل تقويض أركان النظام الرأسمالي ومكوناته في أسرع وقت وممارسة دور أكثر فاعلية مستقبلاً، لن يتم دون إرساء قواعد نظرية واستراتيجية منسجمة. الإسلام والعولمة بالإضافة إلى الحقيقة القائمة في العالم والتي تعكس الصبغـة الدينية فيه والإعتقاد بالله تعـالى والشعور بضرورة الغاية وكذلك تنامي مسيرة نبذ العرف وتسجيل الدين حضوره في المياديــن العامة والسياسة وتوافر نماذج عديدة من نمو المحاولات السياسية للأديان وبحسب تعبير جورج ويكل "نبذ العرف" (نبذ العلمانية) من العالم(1 ) والذي ذهب إليه أيضاً بيتر برغر، تمتلك الأديان عموماً والإسلام على نحو الخصوص إمكانات واسعة فلسفياً ونظرياً ليتسنم منبر