وحدة ثقافية رأسمالية للعالم برمّته، فإنه يمكن الإشارة إلى حالات الإستلاب والتجرد من الذات وبتعبير أشمل أزمة الهوية الوطنية والتأريخية وظهور الهويات الطائفية والإقليمية، علماً أن هذا الأمر يعد أحد تناقضات العولمة. فمن جهة، تفقد الهويات الوطنية في إطار هذه العولمة رونقها بسبب تحجيم دور الحكومات الوطنية والحدود الجغرافية ومن جهة أخرى نلاحظ ظهور هويات إقليمية وطائفية صغيرة تعكس جانباً من الأقلمة والنزعة الجغرافية الأمر الذي يتنافى مع العولمة والتوحد المزعوم. على أن ظهور الهويات الإقليمية الصغيرة يعكس حقيقة ملفتة للنظر وهي ؛ قد يكون الإقتصاد معولماً إلا أن العالم لم يصبح اقتصادياً، وسنتناول هذه النقطة بتفصيل أكثر لاحقاً. وعلى كل حال، فإن عولمة الرأسمالية تؤدي إلى أزمة في الهوية وحصول استلاب ثقافي ما يستدعي التحلي باليقظة والوقوف بوجهها. إن إثارة شعارات من قبيل الليبرالية الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان وحسب تفاسير خاصة بعيدة عن الإهتمام بالأسس المعرفية والفلسفية تمهد لحصول استحالة ثقافية واقتحام النظام الرأسمالي في الدول غير الرأسمالية، وبالتالي انفصام عقد الحياة الإجتماعية في هذه الدول وتزايد نسبة التخلف فيها. لكنه وإلى جانب التهديدات والإفرازات السيئة للعولمة، توفر الإمكانيات والقابليات وبسبب مشـروع ما فوق المجتمـع (post- society) الأرضية لعولمة حقيقية تقرها الأديان. فمن النقاط التي تحظى بالإهتمام في العولمة الحقيقية عدم اقتصارها على مفهوم "المجتمع" وما شاكلها من مفاهيم كالحكومة الوطنية والمصالح الوطنية والمجتمع المدني والمواطنة التي تحكي الحكومة الوطنية وهو ما يتناسب مع مفهوم ما هو أكبر من المجتمع. لذا فإن أحد هذه المفاهيم التي أوجدتها العولمة الحالية للعولمة الحقيقية هي تجاوز وتخطي الحدود الجغرافية الوطنية في العلاقات الثقافية-الإجتماعية. وهذه فرصة لنشر الأديان الإبراهيمية التي لا تعرف حداً في نشر تعاليمها، وضمن قبول النزعة التوحيدية والحقوق البشرية المنبثقة عنها للتكثر الثقافي في قسم من المستويات الثقافية وكذلك تأييد الحدود الوطنية، إلا أنها لا تطيق النسبية الثقافية في المستويات الأساسية أي السايكولوجية البشرية والحقوق المتناظرة معها. وحسب المفهوم القرآني في "إنِّا للهِ وإنَّا إليه راجعونَ" فإن جوهره لا يعرف حداً أبداً. كما أن الفطرة الإلهية للإنسان ؛ محط الإستقبال والتصديق بالوعود والبشارات الإلهية، هي الأخرى لا تحدُّ بمكان أو زمان خاصين. إن المعني بكلام الأديان وخاصة الإسلام هو الإنسان بما هو إنسان، ولو تم الإشارة إلى القبائل والشعوب ونظائر ذلك فإنما هو من باب تعريف الآخرين وهو من ضرورات الحياة الإجتماعية، على أن هذا التعريف لا يعني أبداً إلغاء الذات والجوهر الإنساني الثابت. الواقع أن التعريف مرتبط