الشعارات الإشتراكية، إكتسبت الرأسمالية نبضاً جديداً وفي هذه الأجواء إزداد رونق كلام فوكوياما بشكل مباشر وهانتينغتون بشكل غير مباشر. ومع إثارة مفهوم العصرية المتطورة تتبلور اليوم مرة أخرى الرؤية المعرفية الذاتية العدمية للرأسمالية والذي يمكن أن يكون مقدمة لأزمات اجتماعية كبيرة كما أشير سابقاً. على الصعيد الإجتماعي، تواجه الرأسمالية أيضاً تناقضات وإيهامات.. ففي النظام الرأسمالي يوجد دوماً شرخ وتناقض لا ينحل بين مبدأ الربح لصاحب الثروة وبين حاجة الناس. فالربح الرأسمالي المنبثق من الروح الفردية والتعاقدية لا يتواءم أبداً مع الحاجة الجمعية، ولو لاحظنا في واحدة من مراحل نمو وازدهار الرأسمالية اهتماماً بحكومة الرفاهية فذلك ليس من باب منطلقاتها الذاتية الإجتماعية، بل من باب التصدي للمنافس الروسي والفرار من مساراتها المغلقة التي قلصتها عن طريق إيجاد فضاءات أخرى. مع انهيار الكتلة الشرقية والإيحاء بأن هذا الإنهيار يمثل انتصاراً في الواقع للحرية على العدالة الإجتماعية، عادت الرأسمالية مرة أخرى إلى نمط السوق الحرة السابق. ومع هذه العودة وعدم الإهتمام بالسياسات الرفاهية وأزمة البطالة المتفاقمة، نشاهد اليوم حركات عمالية ضمن تيارات مناهضة للعولمة. إن ما يواجهه النظام الرأسمالية النفعي اليوم مرة أخرى هو الميل الذاتي في الغرب إلى العدالة، الميل الذي اتخذ صبغة مناهضة للعولمة. لقد بدأ الغرب اليوم يشهد تبلور حركات اقتصادية ذات صبغة شبيهة بالماركسية تقف في مواجهة عولمة الرأسمالية. إن الأسس التعاقدية الرأسمالية سواءً كانت في إطار النظام الرأسمالي الحر أم في صيغة النظام الرأسمالي لحكومة الرفاه أم النظام الرأسمالي المتمحور حول الملكية (property-owned) حسب تعبير جان راولز، لا تسمح بالإهتمام العميق والجذري بحاجة الناس ضمن مفهوم خلق فرص متساوية واتخاذ سياسات عادلة، ذلك أن الإهتمام الجذري بالحاجة الجمعية رهين بالميل لفلسفة اجتماعية خاصة؛ فلسفة تقر على الأقل بالأصالة للمجتمع الذي يعد بمثابة وجود قائم للروح الجمعية للأشخاص فضلاً عن إيمانها بالأصالة الفردية لكل شخص الأمر الذي لا يمكن أن نجد له مصداقاً حياً في أي من الأنظمة الرأسمالية. المتناقضات المتوافرة في النظام الرأسمالي تشهد هي الأخرى على الشرخ والحالات المتضادة بين المنطلق وبين هيكلية هذا النظام. فهيكلية النظام الرأسمالي لا تتواءم مع منطلق حكومة الحد الأدنى الذي يشير إليه جان لاك. وهل يمكن الجمع بين النظام الإمبريالي الرأسمالي مع نظام الحد الأدنى؟! إن الرأسمالية قائمة على تعاليم وشعارات الحكومة المدنية، والمجتمع المدني، والمواطنة وما شابه ذلك فكيف لها أن تتكيف مع النظام العالمي والعولمة؟