النقاط التي عرضها سمير أمين بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان المتعلقة بالنظام العالمي للرأسمالية أشبه ما تكون بالنقاط التي أثرناها في ذيل الحديث عن البعد الثقافي للنظام العالمي. وعموماً، فإن للعولمة ارتباطاً وثيقاً بالنظام الرأسمالي.. إن أقصى ما يمكن حمله على التفاؤل وحسن الظن في هذا الإرتباط يتمثل في تحقيق منفعة أكبر لنظام الرأسمالية بينما الإحتمال الآخر فيه فهو تحرر النظام الرأسمالي من الطرق المسدودة والمتناقضات التي تواجهها الرأسمالية عموماً سواءً من الناحية النظرية والمعرفية أم من الناحية الإقتصادية-الإجتماعية. لقد حاولت الرأسمالية دوماً وبشتى الطرق التخلص من المتناقضات التي تحملها في ذاتها وصولاً إلى توسيع نطاقها. إن الرأسمالية وبسبب قيامها على أساس العصرنة والحداثة وفكرة الإعتماد على ذاتها والتي تحمل في نفسها على التهديم والتخريب، فإن العقلية الذرائعية المنبثقة عنها تسعى دوماً إلى التحرر من هذا التناقض الذاتي، الأمر الذي يحول دون استمرار عولمة الرأسمالية. إن الأومانيسمية (الحركة الإنسانية) وفكرة البناء الذاتي والنزعة التجريبية التي تشكل أساس الرأسمالية، إنتهت إلى نفي الذات والغاية بالنسبة للإنسان وذلك بنفيها لوجود الله تبارك وتعالى، وآل أمرها عبر مراحل تأريخية متباينة إلى الغوص في الرؤية العدمية وإلغاء دور الإنسان علانية وتفنيد دور عقله في مرحلتي نيتشه والعصرنة المتطورة. وبلغت الأومانيسمية ذروتها في عصر الإزدهار الثقافي الذي اكتسبت فيه الرأسمالية أيضاً زخماً جديداً. على العموم يمكن اعتبار مكوني الثقافة الأساسيين أي العقلانية القائمة على الروح الفردية الذاتية والنزعة التجريبية جناحي الحقيقة. وفي هذا التفسير للحقيقة، يتم إلغاء البعد الأزلي والميتافيزقي للحقيقة والوحي وبالتالي إشاعة النزعة التعاقدية والعقلية التفاهمية الوصولية والنزعة الذرائعية وتبرير الوسائل من أجل الهدف والغاية وذلك بسبب نبذ الجوهر والميل للتشكيك في علم الوجود وعلم المعرفة. إن الإعتقاد بالعقل الإنساني ذي النزعة الفردية والتجريبية في الحركة الإنسانية والتثقيفية، وبسبب نفي الوجود الضروري يؤول الأمر إلى نفي حقيقة الحقائق والحقيقة الغائية أو إلى نفي نفسها حسب تعبير لايب نيتس موناد. هذه العدمية المعرفية، تجعلان الرأسمالية تواجه دوماً طريقاً مسدوداً وأزمة، وتدفعها دوماً للمزيد من التحرك والبحث. وطالما لم يتم إعلان العدمية للناس لأسباب غالبيتها إجتماعية-ثقافية فإن الرأسمالية ستواصل انتشارها في أجواء تبدو آمنة في الظاهر، أما إذا عرضت العدمية المعرفية نفسها للناس فإن الرأسمالية والفاشية ستواجهان أزمات أجتماعية عظيمة. ولقد حصل هذا الأمر في الحربين العالميتين الأولى والثانية وهي على وشك أن تحصل مرة أخرى بطرح الحداثة المتطورة التي تلغي