لكنه وبالإضافة إلى البعد الإقتصادي للعولمة التي يراها كاستلز بمثابة مثلث تمثل الجوانب الإجتماعية والإقتصادية والفنية أضلاعه الثلاثة ويراها إسكلير مثلثاً تمثل الجوانب الإقتصادية والسياسية والثقافية-الأيديولوجية تلك الأضلاع الثلاثة، يجب الإلتفات إلى ضرورة تجنب هذه النظرة التحجيمية والإهتمام بالجانبين السياسي والثقافي لها. فالوجه السياسي لهذه العولمة هو تحجيم دور الحكومة-الأمة وزيادة دور وقدرة الشركات والمنظمات الإقليمية والدولية، وفي هذا التيار تفقد الحكومات الوطنية بالتدريج إداراتها وصلاحياتها. فبسبب الإتصالات العالمية وتقنية المعلومات وسيادة النزعة المعلوماتية، يتضاءل بالتدريج إشراف وسيطرة الحكومـات على العناصر الداخليـة سواءً الثقافية والإقتصادية والسياسية. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه وخلافاً للمسيرة التدريجية لتحجيم دور الدولة-الأمة بزعم بعض مفكري العولمة، فإننا نشاهد دوراً إرادياً للحكومات في تحجيم دورها بنفسها والإلتحاق بشبكات العولمة وخاصة الشبكات التجارية والمنظمات التجارية العالمية، الأمر الذي قد يبدو عجيباً. بعبارة أخرى، وعلى صعيد البعد السياسي للعولمة وقبل أن تتبلور عولمة السياسة تلقائياً فإنها تحصل بواسطة الحكومات، أي أن الحكومات هي نفسها عامل تحقق هذه العولمة المصطلح أو الرأسمالية بحيث تعمل وتبادر عبر انضمامها بمحض إرادتها للشبكات والمنظمات الدولية وخاصة منظمة التجارة العالمية –إذ أن لبنة العولمة في البعد الإقتصادي أساساً تتجسد في منظمة التجارة العالمية، بل التجارة العالمية ككل- إلى إضعاف نفسها من الداخل وتساعد بذلك على نجاح الدول المركزية والتمادي في فرض هيمنتها بمرور الأيام. لذا وقبل أن تكون العولمة حقيقة لا مناص عنها أو محصلة، فهي عملية إرادية وبرنامج خططت له حكومات ودول خاصة. أما البعد الثقافي فيعنى بمواضيع أثارها وحددها كل من فوكوياما وهانتينغتون وضمّنها البيان الصادر عن ثمانية وخمسين من أشباه المثقفين الأميركيين في الدفاع عن النزعة التوسعية الإقتصادية والعسكرية. مواضيع كانتهاء التأريخ وانتهاء الأيديولوجية وأن مآل المجتمعات في مسيرتها هو الليبرالية الديمقراطية وحقوق الإنسان أو الأمركة. كما أن المقومات الثقافية للعولمة تصب بنحو ما في خدمة الرأسمالية وبلورة السيطرة لها وتوحي بأن العولمة محصلة أو مشروع حقيقي لا يمكن تجنبه. في البيان المذكور الذي حمل أيضاً توقيع فوكوياما وهانتينغتون، وإلى جانب التأكيد على حقوق الإنسان، يجري الإصرار على الحرب من أجل الدفاع عن هذه الركائز، وعلى العلمانية وفصل الدين عن السياسة، والتساهل والتسامح في ظل مفهوم نسبية الحقيقة؛ دون أن يتحدد كيف يمكن أن يجتمع مفهوم كون الحقيقة نسبية مع المبادئ المتعلقة بحقوق الإنسان. وبغية أن ينعم أي نظام اجتماعي بالإستقرار والثبات فإنه لا بد من التنسيق في المقومات الثقافية والسياسية والإقتصادية والإهتمام بهذه العناصر بشكل متزامن. في خضم ذلك،