الموضوع الحساس لما له من صلة بمجريات الأحداث في المسرح العالمي عموماً وفي عالمنا الإسلامي على وجه الخصوص. فلم يكن ظاهراً من ناحية موضوعية ومجردة أن الإسلام ـ الذي تعايش مع الغرب اليهودي والمسيحي منذ أكثر من خمسة عشرة قرناً ـ قد أصبح فجأة عدواً خطيراً يهدد كيانه ومصالحه الحيوية، ولكن أصبح من الواضح الآن استغلال آلة الإعلام الغربية العملاقة لتصوير الإسلام كعدو للغرب، وأصبح ذلك يمثل واقعاً، ومن هنا برزت ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب وجندت له الأقلام والصحف والإذاعات والسينما لتصوير كل صراع يجري على الحدود الإسلامية الغربية على أنه يمثل حلقة من حلقات الصراع مع الغرب وأن هذه الحلقات تتكامل وتزداد يوماً بعد يوم حتى يصير الأمر صراعاً شاملاً بين الإسلام والغرب في المنظور المستقبلي. وكانت مهمة هانتنغتون أن يوحي بأن الصراع والصدام بين الحضارة الإسلامية وبين الغرب اليهودي / المسيحي أمر حتمي وأن هذه الحتمية تأتي من طبيعة الإسلام الدموية الإرهابية. بل وذهب هانتغنتون إلى القول بأن الإسلام سوف يتحالف مع الحضارة الصينية لتهديد الغرب، وأن هذا التحالف قد بدأ بالفعل في باكستان والسودان. لقد دعا الإسلام إلى حوار الأديان والحضارات منذ أكثر من خمسة عشر قرناً واعترف بكل الأديان التي كانت معروفة: اليهودية والنصرانية والصابئة والمجوس، ودعا إلى حوار بالتي هي أحسن وبالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدل العقلي الرصين (أدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة..). لقد دعا فخامة الرئيس محمد خاتمي رئيس جمهورية إيران الإسلامية إلى حوار الحضارات في مقابل دعوة هانتنغتون إلى صدام الحضارات، وجاءت دعوة فخامة الرئيس خاتمي ممثلة لكل مشاعر المسلمين في الشرق والغرب. ولعل أروع ما أورده فخامة الرئيس خاتمي في خطابه الفذ أمام منظمة اليونسكو في باريس أكتوبر 1999م قوله (وبمثل ما نتناول يومياً خبزنا وماءنا من الأرض يجب أن نتناول حصتنا اليومية من العقيدة طازجة من السماء، فيجب على العقيدة ان تناسب كالنهر كيما تبقى لا أن تكون كالمستنقع الراكد، فبالعقيدة سنجعل ثمار الأخلاق والسلام تنساب باستمرار، وبالعقيدة تصبح أي لحظة تجديداً يدفع الفرد لحب الإنسانية والعالم)..