ولن يكون بالإمكان رسم صورة للذات والغاية والحقوق للإنسان إلا حينما نقر بأن لهذا المخلوق خالقاً. بعبارة أخرى، إن النزعة الإنسانية المجردة عن النزعة الخالقية تقود إلى فناء الإنسان وزوال حقوقه، وحتى لو شاهدنا في كل المجتمعات البشرية تشابهاً سلوكياً في الميادين الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية ولم نعر أهمية للتشابه على صعيد علم الإنسان فإنه لن يمكن فهم واستنباط العولمة الحقيقية من المستويات المتدنية لها. وعلى حد قول البعض؛ يمكننا استنباط العولمة الحقيقية والوقوف عليها بمقدار ما نشاهد من النزعة الإنسانية المرتبطة بالنزعة الإلهية والنزعة المبدئية والإيمان بحقيقة الحقائق والحقيقة الغائية في العالم الراهن. وكما لا يمكن استنباط العولمة الحقيقية من التشابه السلوكي البحت فإنه لا يمكن استنباط عدم تبلور العولمة من مجرد التغاير السلوكي وكثرة الثقافات المتلاشية. هذه النتيجة إنّما على أساس الأهمية الأكبر التي نوليها للمستويات القاعدية والأساسية للثقافة أي النظرة الكونية والقيم في باب المقارنة مع المستويات الفوقية كنماذج السلوك والمظاهر وحتى التقنية. ومع أنه لا يمكن من الناحية المنطقية والشهودية تبرير الشرخ والهوة القائمة بين الطبقات المختلفة في الثقافة إذ يجب من حيث المنطق أن نشاهد تلاحماً بين الطبقات والمستويات الثقافية المختلفة، لكننا نجد أن هذه التصدعات أمر محتمل على صعيد الواقع ومن الممكن أن تكون لها جذور في المصالح وعدم الوعي والغفلة وحتى الإغراء. ولعله إمكانية الوقوف على التشابه في النظرة العالمية والقيم من خلال التشابه في المظاهر والسلوكيات رهن بوجود وتجلي شواهد وأدلة ممنهجة وعملية على وجود هذا التشابه. من جهة أخرى وكما أشرنا سابقاً، يمكن أن يكون هناك تشابه في مستويات النظرة الكونية ومعرفة الإنسان لكن هذا التشابه لم ير النور عند الطبقات الفوقية. النتيجة هي أنه يمكن اعتبار الحالة الأخيرة مصداقاً للعولمة الحقيقية لكن هذا الحكم لا يمكن تسييره على الحالة السابقة. والآن مع هذه النظرة الفلسفية للثقافة يمكن امتلاك تصور صحيح عن العولمة الحقيقية وفي نفس الوقت الحكم بشأن الوضع الراهن ومدى عالميته. إستناداً لما تقدم، فإنه انطلاقاً من مقدار ارتباط العالم الحالي بالله تعالى والإنسان وذاته وغايته وفلسفة التأريخ المنبثقة عنه ومن ثم الإيمان والعمل بالأصول الأخلاقية والسلوكية المنبعثة عنه يمكن الحكم بشأن العالمية الحقيقية. 2- العولمة المصطلح ربما شكّل فهم العولمة المصطلح ومكوناتها وأبعادها ومراحلها وتأريخها وأسسها أهم أقسام هذا المقال.. سنحاول في هذا القسم وعبر عرض تعريف عن العولمة المصطلح بحث ومناقشة