المقارنة المطلقة التي تشمل كل الدين في مقابل العولمة بجوهرها وكافة أبعادها. في الحقيقة أن هذه المقارنة تعنى بالنظرة العالمية والنظرة الشمولية للدين في المقارنة مع مكان العولمة. ومن هذه الزاوية يبدو أن هناك شبه كبير بين الدين عموماً والأديان الإبراهيمية خصوصاً مع العولمة. علماً أن الأديان الإبراهيمية وخاصة الإسلام والمسيحية، تشترك مع العولمة في الهوية والخصائص إذ تحمل طابعاً دولياً وهي غير مؤطرة أو محددة بالحدود الجغرافية. إن محصلة التدويل أو العولمة لا تعد تحدياً جاداً للدين بل توفر فرصة عالمية للدين لتأمين إحدى تطلعاته ألا وهي نشر القيم الإلهية في أرجاء المعمورة. ومن هذه الناحية لم تتوفر في الماضي أبداً فرصة للوصول إلى "أمة عالمية لأتباع الأديان الإبراهيمية" بصورة واسعة وسريعة في حين توافر اليوم مفهوم "الجماعة العالمية لأتباع الأديان(1 ) في "أجواء موحدة"(2 ). لقد توفرت في هذه الأجواء إمكانية الإرتباط الإجتماعي المتزامن والإطلاع على التطورات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية للمسلمين في كل منطقة من العالم وامتلاك مؤسسات ثقافية عالمية مشتركة كالقنوات العالمية، وسوق إسلامية علامية مشتركة ومناسك الحج العالمية المشتركة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والحوار الديني المشترك للجميع. لكن الشيء الذي يمكن اعتباره يشكل تحدياً جاداً للدين هو الوسائل المسيطرة على التقنية العالمية، ففي الواقع أن أمركة أو غربنة العالم هما اللذان يعدان منبع الخطر على "الهويات الدينية" وكذلك نشر العلمانية وقيام الأنظمة السياسية القائمة على العلمانية حيث تقوم هذه بتحد القيم الدينية في المجالات الإجتماعية والفردية وفي "الأجواء الدينية" و"الإقتدار الديني". ينبغي الإلتفات إلى أن الغربنة والأمركة هما في الواقع مسيرة معكوسة للعولمة بفعل طبيعتهما.. فأمركة العالم هي نوع من تقليص الحدود لجغرافيا العالم، وبعبارة أخرى يعد نوعاً من "محصلة منافية للعولمة"(3 ). ورغم أن هذه المسيرة تعد في جانب منها أنها نمو لثقافة خاصة(4 ) لكنها من جهة أخرى تضييق المجال الثقافي على كافة ثقافات العالم. في السياق ذاته يجب القول بأنه وعلى عكس فرضيات "نظرية الثقافة الجماهيرية"(5 ) والتي تفترض المخاطب بأنه مجرد "مخاطب منفعل"(6 )، فإن عالم اليوم يواجه "مخاطباً فاعلاً"(7 ) بسبب التجارب المكثفة لجيل اليوم وتزايد الوعي لدى المجتمع البشري وتقعيد عمليات وسائل الإعلام. المخاطب الذي لا يقبل كل ما يطلع عليه من خبر أو نداء أو سياسة. وبعبارة أوسع فإن "القوة"(8 ) لا تكون مرآة بالضرورة