كافة المؤسسات المدنية المرتبطة بالمواطنة. إن هذه المسيرة تولد بمرور الزمن "الثقافة العلمانية"، أي يتم بمرور الأيام إزالة التجارب الدينية والقيم الدينية والأفكار الدينية من مسيرة الحياة، حتى يؤول الأمر إلى أن تصبح اللغة والأدبيات علمانية أيضاً. إن الثقافة العلمانية تقوم على معرفة فلسفية تفصل العقلانية الإجتماعية عن الرؤية الميتافيزيقية بحيث يجري الإيحاء بأن الأفكار الميتافيزيقية تتنافى مع العقلانية الإجتماعية. على أن فكرة نفي العقلانية عن الدين لها صلة وثيقة بالتعاليم غير العقلانية للمسيحية وقيودها المتحكمة (شجاعي زند، 2001:311). يبدو أن دائرة العلمنة قد طالت المجالات الفردية، فالتعاريف الجديدة للعلمنة أو اعتماد العرف افترضت غياب الدين عن الميادين السياسية والإجتماعية وأن العلمنة لها علاقة بحجم المشاركة في الطقوس الدينية ومدى الإيمان بالأفكار الدينية (غيدنز، 2001:698). ومن هنا يجب معرفة كيف ستكون عولمة العلمانية بتجربتها الغربية. إنطلاقاً من كون عولمة الثقافة هي المحور الأصلي لكافة عولمات المجالات الإقتصادية والسياسية، فإن نمو ثقافة العلمانية الغربية سيكون مواكباً لميادين الإقتصاد والسياسة. أي أن ثقافة العلمانية على صلة كبيرة وعميقة مع النظام الليبرالي الديمقراطي ذي المحور العلماني والنظام الرأسمالي العلماني. لذا يجب الإلتفات إلى أن أهم ركن في غربنة العالم هو نمو العلمانية الثقافية والإقتصادية والسياسية. إن نظرية أوبراين (1995) بشأن الركن الأصلي لأفكار مرحلة الإنفتاح التي تطغى فيها فكرة محورية الإنسان وتحل محل محورية الرب والذي سيتم تبيينها فيما بعد، تحظى بأهمية بالغة. السؤال المثار هنا يدور حول آلية نمو العلمانية. وهل أن نمو العلمانية يتحقق في إطار محصلة معرفية وعبر الدعوة إلى وضع الدين جانباً؟ أم أن هذه المسيرة يتم تعبئتها بصورة ما في النظام المدرسي للعلمانية والنظام البيروقراطي السياسي؟ الظاهر أن تجريد المجتمع من الدين ليس بأمر دستوري، بل إنه يحصل عن طريق مسارات التغيير من خلال التأثير على الأشخاص بشكل تلقائي وبالتالي يصبح الشخص في إطار محصلة "غير إرادية" بعيداً عن الأفكار الدينية والقيم الدينية، ولهذا السبب لا تحصل مقاومة جادة من قبل الناس لمواجهة المسارات التي تقود إلى تنمية ونشر العلمانية. على هذا الأساس ينظر لعولمة الثقافة بصفته قوة مرنة بحيث لا يشعر المخاطب بالخطر، لكنه وحسبما يقول بورديف بأنه يواجه "رمزاً عنيفاً"(1 ) له ظاهر جميل لكن باطنه خشن(جين كينز(2 )، 1992). وعند استهلاك الثقافة يواجه الشخص مظاهر جميلة لكنه وبعد تلبسه بها تظهر إفرازات مدمرة تقود إلى "تخلف ثقافي"(3 ) وبروز تناقضات ذاتية ثقافية مردها إلى التضاد بين التقليدية والعصرية أو