3_1: نشر العلمانية كما أشير سابقاً، تعتبر العولمة عاملاً لتضخيم عصرية الغرب.. هذا يعني أن القيم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفلسفية للغرب ستشهد في ظل مسيرتها التنموية المطردة نمواً أسرع بكثير من مرحلة العصرية في العالم. إحدى هذه القيم التي كان لها تأثير كبير في حضور الدين في المجالات العامة وحتى المجالات الخاصة هي العلمانية. في التجربة المسيحية، قادت ضغوط كنيسة الكاثوليك والدوافع السياسية التي كانت وراء انتقال القوة من روما إلى ألمانيا وباقي مناطق العالم، إلى تعزيز وتنمية الحركات البروتستانتية. والظاهر أن نجاح مارتين لوتر لم يكن ليرى النور لولا توافر روح الإصلاحات في ألمانيا وكذلك الدوافع الوطنية بين الألمانيين ونقاط الضعف والضغوط التي لا يمكن تحملها من قبل الكنيسة الكاثوليكية (راندل(1 )، 1998). ومن جهة أخرى يقول راندل (1998:6) بأن نجاح أنصار لوتر سببه أن فكرة لوتر(2 ) مهدت للحرية والتحرر من القيود الدينية. فمثلاً كان قانون الصيام في الكنيسة الكاثوليكية مجهداً جداً فيما تزيل النظرة الجديدة للدين الإلتزام بمثل هذه القوانين. إن قوة البروتستانتيين تسبب بنوع ما في تضعيف للدين في المجالين السياسي والإجتماعي.. يمكن القول بأن جذور فكرة العلمانية بتجربتها الغربية ترتبط بظهور البروتستانتية. فبإلقاء نظرة على الجغرافية الدينية للعالم المسيحي، فإنه يمكن وبوضوح تمييز التباين في الأجواء الدينية بين الدول الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية. ففي البلدان البروتستانتية كإنجلترا وألمانيا يقتصر الإهتمام بالدين على المشاركة في المناسك والطقوس الدينية التي تقيمها الكنيسة أما حضور الدين في المؤسسات الإجتماعية وامتلاك الوعي الديني فهو ضعيف جداً. بعبارة أخرى، يعد العالم البروتستانتي أكثر علمانية من العالم الكاثوليكي. اليوم وحتى بعد مضي خمسة قرون على الصراعات الطويلة في عالم المسيحية والتي تسببت ببروز حروب مدمرة كثيرة، فإن حضور الدين في المؤسسات الإجتماعية للعالم الكاثوليكي أقوى مما هو عليه في العالم البروتستانتي. إن مدى تدخل ونفوذ الكنيسة في التعليم والتربية في بلد مثل إيرلندا أو تأثيرها في إدارة المستشفيات وحتى تأثيرها في البرامج التلفزيونية للقناتين الأولى والثانية أر تي آي، يعكس في الواقع الدور الإجتماعي الواسع للكنيسة الكاثوليكية. لقد جرى تعريف العلمانية في الغالب على أنها مسيرة لإضعاف "الإعتبار والإقتدارالديني"(3 )، وليس مجرد مسيرة تقود إلى إضعاف دور الدين في المجتمع (تشافيز(4 )، 1994:750). في الحقيقة أن مسيرة العولمة تتسبب في التفريق أو بعبارة أخرى فصل الدين عن المؤسسات الإجتماعية مثـل المؤسسة السياسية والمؤسسة التشريعية والمؤسسة التربوية والتعليمية، وعموماً فصل الدين عن