2_2: العولمة، الغرب والمسيرة المضادة يمكن من خلال هذه الزاوية، دراسة العولمة كأداة حديثة وفي نفس الوقت كبرنامج جديد لستراتيجية تقود إلى بروز أجواء جديدة كما ينظر لتأثيرات العولمة بالصفتين السابقتين على أنها "محصلة المعالجة الذاتية"(1 )، وأيضاً"عملية إبرازية مدارة"(2 ) ومن الأبعاد الأخرى المنظورة في المقال؛ تنامي محصلة الغربنة وكذلك التخوف من الإسلام بصفتهما محصلتان تسيران في خطين موازيين للعولمة وقد تسببتا في مضاعفة الضغوط الثقافية الغربية على الشرق واتساع الفجوة أكثر بين الغرب والشرق باعتبارهما نتيجة لوجهة نظر النخبة الغربية لـ "النزعة الشمولية" و"النزعة الإنحصارية". وبتحليل المسيرة منذ عقد الستينات وحتى الآن، يمكن القول بأنه إذا كانت الأجهزة وتقنيـة الإتصالات هي أصل تطور ونمو القيم العصرية الغربية من جهة، فإن بزوغ شمس الثورة الإسلامية في إيران في الجهة المقابلة خلال العقدين الأخيرين من الألفية الثانية كان عاملاً لنمو وانتشار القيـم الإسلامية على صعيد العالم حسب النظرة الإنصرافية أو الإقليمية(3 )، فيما صارت حسب النظرة الخلاصية(4 ) (روبرتسون 1992) عاملاً لنشر الدين في العالم. تعد هذه المسيرة سواءً كان من الزاوية الإنصرافية أم من الزاوية الخلاصية "محصلة معكوسة"(5 ) للعولمة الغربية. غير أنه وحسب فريق خاص من النخبة السياسية الغربية فإن تطور واتساع النزعة الدينية يقود إلى بروز تحد جاد بين الحضارات والأديان الشرقية والحضارة الغربية (العصرية). في الحقيقة أن العصرية اهتمت في أفكارها ورؤاها المعرفية بالعلمانية كمبدأ افتراضي فيما النزعة الدينية تعد نوعاً من محصلة لـ "إبعاد العلمنة"(6 ) عن المجتمع، لكننا نرى أن هذا التحدي تم تهويله ويمتلك فقط بعداً ظاهرياً وقد تركت أبعاده الباطنية جانباً دون أن يتم الحديث عنها. إذ لم يكن التباين بين الرسالتين الإسلامية والمسيحية هو السبب في الإصطدام بين الغرب والشرق فكلا الدينين يرجعان إلى أصل واحد والمسيح والصادق محمد (عليهما السلام) كلاهما رسولا الله تعالى ولا فرق في ذات ووجود أنبياء الله تعالى. التباين الرئيس يتعلق بمقتضيات الزمان لا أكثر. أساس الإصطدام وحتى الحرب في العالم هو حب السلطة والظلم. لهذا السبب لم تختص المعارضة للعولمة كهيمنة أميركية بأعضاء ومنتسبي الحضارة الإسلامية، وهذه المعارضة تشهد نمواً مطرداً مع مرور الأيام وهي في أوروبا أشد منها في الأماكن الأخرى. نعم، يمكن القول بأن: "ثقافة السلطة تخلق صراعاً حضارياً ذاتياً وآخر بين الحضارات".