إن تميُّز وتفوق أميركا حسب وجهة نظر لرنر(1 ) (1964:405) ناجم عن أن الحضارة الأميركية بنزعتها الفوقية تركز على قيمية "التغيير" و"التحديث" و"النزعة التجديدية" و"الإهتمام بجيل الشباب". من الناحية المقابلة تنظر الحضارة الأميركية إلى "الماضي" و"التقاليد" وكل ما هو قديم بنظرة يشوبها الذم والرفض. وفي ظل هذه النظرة، تدخل الأديان الإلهية التي انتهجت منذ قرون بعيدة قوانين أصيلة والأجواء الدينية الناجمة عن اتساع الآفاق الدينية الفردية والمؤسساتية والمنظماتية والمدنية والإجتماعية، في تحد مع الحضارة الأميركية. أما العالم الإجتماعي الأميركي المعروف مارغارد ميد(2 ) (1965:372)، فيرى أن تجاهل الحضارات السابقة والتصدي لكل استقرار واستمرار للتراث الثقافي الماضي يعد جزءاً من الفلسفة الأميركية. ويؤكد ميد على عظمة ورفعة الحضارة الأميركية ويقول بأن هذه الحضارة تعود لأصحاب حضارات متنوعة دخلوا أرضاً جديدة لينسوا حضاراتهم القديمة ويؤسسـوا لحضـارة حديثة ومتحضرة. حضارة تقوم على الإنتاج والكثرة بدل التقتير في العيش خوفاً من شحة وفقدان المصادر. ميد يقول بأنه يمكن لكافة شعوب العالم التغير كما تغير الشعب الأميركي ويبنوا حياتهم على محاور الموضة ونمط التحضر الجديد. إن وجهة نظر ميد وكل المسارات المؤدية إلى أمركة العالم تحمل نظرة "النزعة الشمولية" واكتساب الأنصار عالمياً. في الجانب الآخر تهتم النزعة الأميركية بجدية بحصر وحسر معارضيها، علماً أن النزعة الحصرية قوة صعبة وغير مرنة تقود إلى إشعال فتيل حروب كبيرة. الكاتب الألماني هانز جوز(3 ) (2003) يقول في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "الحرب والعصرية.. قراءة تأريخية للعنف في القرن العشرين"؛ في الوقت الذي كان يتوقع أن تكون العصرية سبب ظهور منهجية ذات طابع سلمي فإن العالم شهد في القرن العشرين نمواً واتساعاً لرقعة الحرب وبروز حرب صناعية ووقوع حروب عالمية كبرى. وكما يفصح عنه تأريخ الحروب العالمية فإن قسماً كبيراً من "الحروب الكبيرة"(4 ) إما أنها كانت في الغرب أو أن الغرب هو الذي عمد إلى إشعال فتيلها أو تأجيجها (غيدنز، 1989). إن مقتل حوالي مائة مليون إنسان في القرن العشرين بسبب الحرب وأكثرهم راحوا ضحية الحربين العالميتين الأولى والثانية يعكس جانباً من أضرار الحرب وآثارها المدمرة. أما النظرة التي ترى أن الحرب هي سبب بناء الحكومة (تيلي(5 )، 1989) فتحمل أيديولوجية لا تعترف بأي من أنواع الحواجز والعقبات للحصول على السلطة. حتى أهم منظمة دولية، أي منظمة الأمم المتحدة التي انبثقت على خلفية الهزائم والخسائر والأزمات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية؛ قد جرى تجاهلها في الحرب الأميركية