4) بالتالي الإيمان بـ "التقدم". إن مجموعة الأفكار والقيم هي في الواقع أساس ظهور المؤسسات والصيغ المختلفة للأنظمة الديمقراطية والمؤسسات التعليمية والأحزاب والحركات السياسية والدولة_الأمم في مختلف أنحاء العالم. وفي معرض الإجابة على السؤال التالي؛ ما هي العلاقة بين مرحلة العصرية والعولمة؟ ينبغي أن نعلم بوجود وجهات نظر متباينة بهذا الشأن. فغيدنز (1990) يعتبر في كتاب إفرازات العصرية(1 ) العولمة من "انعكاسات العصرية"، أو بعبارة أخرى يعتبر العولمة "امتداداً ونمواً للعصرية"، ويربط العولمة بنظريته الإجتماعية حول "تقارب العلاقات الإجتماعية على الصعيد العالمي" (غيدنز، 1990:63). وهذا في الحقيقة نفس المفهوم الذي أطلق عليه تاملينسون (1999) فيما بعد مصطلح "الإرتباط الثقافي". وفي الواقع يربط غيدنز (55_78: 1990) الركائز الأربعة للعصرية والمتمثلة بالنظام الرأسمالي والنزعة الصناعية والرقابة والإشراف (خاصة الرقابة السياسية للدولة_ الأمة) والقوة العسكرية بأربعة مفاهيم أخرى متجانسة تشكل أبعاد العولمة وهي؛ إقتصاد الرأسمالية العالمية، والتقسيم الدولي للعمل، ونظام الدولة_ الأمة) بالإضافة إلى النظام العسكري العالمي حيث توضح هذه الرؤية فكرة غيدنز بشأن "العصرية المضخَّمة"(2 ) أو "العولمة العصرية" (غيدنز، 2001:245). ينظر لهذه المكونات الأربعة وبشكل سطحي جداً على أنها الأبعاد الأربعة للعصرية والتي شهدت انتشـاراً واتسـاعاً كبيريـن. إنـه ذات التفسير الذي يحمله رونالد روبرتسـون (1992:142) إزاء العولمة حيث يعتبرها أنها عصرية مضخَّمة قادت إلى اتساع نطاق المجتمع المقيد في الماضي ليغطي العالم كله، وبهذا التفسير يتخذ المجتمع إطاراً ومؤهلات عالمية. أما كاستلز (1997) فيرى أن نقطة التباين بين مرحلة العصرية ومرحلة العولمة هي التطور التقني. إن كاستلز يؤكد في كتابه القيم "المجتمع المترابط" على أن التطورات الناجمة عن الثورة الصناعية التي قادت إلى مرحلة العصرية تختلف عن طبيعة الثورة المعلوماتية والإتصالاتية التي قادت إلى مرحلة العولمة. إن الثورة الصناعية بدأت تزحف وببطء شديد بعد قرنين من ولادتها في سواحل أوروبا الغربية إلى باقي مناطق العالم، علماً أن هذا الانتشار اتخذ في كثير من أنحاء العالم صبغة استعمارية وسلطوية. وعلى عكس الثورة الصناعية، إتسع نطاق تقنية الاتصالات كالبرق الخاطف وفي أقل من عقدين _في الفترة بين منتصف عقد السبعينات حتى منتصف عقد التسعينات_ لتغطي أرجاء المعمورة. والظاهر أن طبيعة إيصال المعلومات والتأثير على السامع في المجتمع تمثل شبكة جديدة تختلف عن طبيعة التأثير في مرحلة تنمية الثورة الصناعية