الأسس المعرفية والفلسفية التي ترتكز إليها هذه العلاقة. وهنا لا بد من أن نشير على نحو الإجمال إلى مفهوم الحداثة ونبحث علاقتها مع العولمة. تعد العصرية أو مرحلة التحديث، مرحلة تغير "الأفكار" و"القيم" التي لها صلة وثيقة بعصر الإنفتاح الأوروبي، وقد تم تعريفها بأنها مجموعة من المؤسسات والتقنيات والأفعال والسياسات الأوروبية التي قادت إلى تبني هيكليات اجتماعية واقتصادية وسياسية جديدة (راجع ترنر 1990، وغيدنز 1989، 1990، 1991). أما متى كانت الإنطلاقة الزمنية للعصرية فهو أمر لم تلتق عنده الآراء، وحسبما يقول بومن(1 ) (1991) فإن أصل مفاهيم العصرية يحاط بهالة من الغموض بمجرد الولوج في البحث التأريخي للعصرية. إن تاملينسون يستند إلى آراء فالرشتاين ويرى أن بداية هذا العصر كانت مع ظهور النظام الرأسمالي في مقابل الإقطاعية في القرن الخامس عشر، الأمر الذي يتنافى مع فكرة إعادة العصرية إلى مرحلة الإنفتاح والظهور المفاجئ للديمقراطية السياسية أو أحداث القرن السابع عشر مثل الحرب الداخلية في إنجلترا أو الثورة الفرنسية والأميركية في القرن الثامن عشر أو الثورة الصناعية التي انطلقت في القرن الثامن عشر واستمرت في القرن التاسع عشر (تاملينسون، 1999). على كل حال يجب القول بأن العصرية هي من تلك المفاهيم، كالثقافة مثلاً، التي تفقد معناها فيما لو جرى تحديدها في إطار زمان ومكان خاصين. يبدو أن العصرية هي عملية تجريدية عامة انطلقت من حصول تحول في الأفكار والمؤسسات الإجتماعية ليقود إلى تبلور نظام جديد في حياة الإنسان، علماً أن مكونات وأجزاء هذا النظام قد تبلورت وتكاملت عبر القرون بين السابع عشر إلى التاسع عشر، لكن أهم عناصر العصرية هو العلاقة التي أسست لمسيرة التغييرات مع الدين. في الحقيقة أن هذه المرحلة هي المرحلة التي اتسعت فيها تدريجياً محصلة علمنة الدين. وبنظرة أشمل وأوسـع، ربما أمكن القول بأن كثيراً من وجهات النظر التي تناولت تحليـل العصرية إعتبروا أن هذه المرحلة هي ثمرة تنميات متكاثرة. على سبيل المثال، يقرر بيرج(2 ) وزملاؤه (2001:29) في فرضيتهم أن مرحلة الإنفتاح الأوروبي أساس العصرية، لكنه يعتبر أن تبلور هذه المرحلة بحد ذاتها هي حصيلة أربع صيغ تنموية: 1) الحلول النسبي للقيم الإنسانية كالحرية والمساواة والنزعة الفردية محل "دين الكنيسة"، وهذه الرؤية تؤكد بصيغة ما على محورية الإنسان في القضايا الإجتماعية. 2) ظهور وتعزيز قوة النهضة العلمية والأساليب العلمية. 3) الإيمان بالعقل والعقلانية والتأثيرات المدنية الثقافية والتقنية.