من جانب آخر، تفيد التخمينات أن الصناعات الألكترونيكية الدقيقة، والإتصالات من طريق بعيد، والإنسان الآلي والحاسوب ستكون من بين الصناعات القائمة على العقل ( لا الصناعات التشغيلية والإستثمارية المعتمدة على المواد الخام ) وستحقق أسرع نمو في القرن الحادي والعشرين. يمكن لهذه الصناعات على خلاف الصناعات القديمة المستندة إلى اليد العاملة أو رأس المال والمرتبطة بالظروف والمصادر الطبيعية وبالتالي المتسمة بارتباطها المباشر والحتمي بالبعد الجغرافي، أن تثبّت نفسها في أي مكان من العالم ومحل استقرارها منوط فقط بتوظيف هذه العقول وتنظيمها بهدف السيطرة على هذه الصناعات بعيداً عن القيود الجغرافية، وبهذا الشكل انتهت مرحلة الفقر في اليابان التي تعاني من انعـدام المصـادر الطبيعية أو ثروة شيلي والأرجنتين اللتين تمتلكان ثروات طبيعية غنية. على هذا الأساس ظهرت تشكيلة جديدة من الإنتاج في صناعات العصر الراهن المستندة في الغالب على قوة العقل التي تستلزم نمطاً جديداً من الرقابة الإدارية أو الهندسة الإجتماعية مما لا يمكن العثور على شبيه له في النظام الرأسمالي التقليدي للقرنين التاسع عشر والعشرين. لقد تبدل جوهر وطبيعة التقنية. إن هذه التقنية تحولت انطلاقاً من علم السنخية وعلم الأنماط التقنية من تبعيتها لجغرافيا الطبيعة التي كانت تستلزم بقاء الصناعات المعتمدة عليها ضمن الحدود والقيـود إلى تقنيـة واسعة في أجواء مفتوحة ومستقلة وسيالة ومتحررة من الأطر الجغرافية. إن طبيعة التقنية الحديثة تمتاز بسمة العالمية Global وهي لا تحد بالحدود الجغرافية للدول والشعوب. لقد أظهرت الدراسات أن التدويل Internationalization في الإقتصاد في عقد الثمانينات شهد تسارعاً وعمقاً أكبر وهذه المحصلة إنّما تبلورت على أثر التطور التقني سيما في الصناعات من قبل الإتصالات من بعيد والكومبيوتر. لكن ظاهرة التدويل ستتخلى من الآن فصاعداً عن مكانها بالتدريج لظاهرة حديثة تدعى العولمة في نظام الإقتصاد العالمي Globlization، وبذلك فقدت الوكالات الإقتصادية مقراتها الوطنية وباتت تمتلك ستراتيجيات على المقياس العالمي. “Fouquin,1993.P3” إن هذا التطور والإنقلاب في التقنية العالمية الحديثة إتسم بخصيصة أدت إلى الكشف عن المدى الواسع الذي يفصلها عن تقنية المكائن التقليدية في العالم الرأسمالي بعد الثورة الصناعية. تعتبر تقنية المكائن جغرافية المحور وهي تستقر في المكان الذي تواجدت فيه المعدات والمكائن واستطاعت تسخير وتوظيف مصادر وعوامل