حقائقه التأريخية كالملكية الخاصة والنمو والشغل والإستقرار المالي وزيادة الأجور بالضمور والتلاشي كما حصل لأعداء هذا النظام. وإنه لمن نافلة القول بأن تلاشي واختفاء الملكية الخاصة التي تعد من الأسس المعرفية لليبرالية والرأسمالية يعد من بين النقاط المحورية لهذا البحث والتي سيسلط الضوء عليها لاحقاً. إن العد التنازلي الذي يشهده النمو وعلى وجه التحديد من 3.1 بالمائة عام ألف وتسعمائة وسبعين للميلاد إلى 2.1 في عقد الثمانينات واثنين بالمائة في عقد التسعينات وكذلك التخمينات بأقل من واحد بالمائة خلال العقد الجاري يدلل على أن الرأسمالية فقدت 60 بالمائة من سرعتها وتعجيلها خلال العقود الثلاثة الأخيرة. ومن بين اثنتي عشرة شركة أميركية كبيرة، لم تستطع سوى شركة جنرال ألكتريك أن تحمل نفسها كوحدة عمل مستقلة إلى القرن الحالي بينما لم تتمكن الشركات الباقية مواكبة ومسايرة المحصلة والظروف الجديدة. كما أن الرأسماليين أدركوا جيداً أن عليهم أن يوجدوا عناصر وكوادر جديدة إذا ما أرادوا البقاء، ولذا كان تسديد الرواتب للمسنين وإيجاد نظام صحي وعلاجي عام من الإختراعات التي سجلت باسم "بيسمارك" في ألمانيا، وفي بريطانيا قطع ونستون تشرشل خطوات واسعة بشأن التأمين الخاص بالعاطلين في وقت نشر روزفلت في أميركا أنظمة التأمين الإجتماعي، علماً أن هذا الأمور لم تكن سوى إصلاحات ضرورية لإنقاذ الرأسمالية القائمة على نظام السوق وعدم التدخل، وتخليصها إلى حد ما من المنحى الذي كان يودي بها للأفول والتلاشي النظري. في الواقع يمكن اعتبار أنظمة الضمان الإجتماعي المولودة بديلاً فاعلاً تقريباً لنظام السوق المنهار للعالم الرأسمالي الذي ولد بعد انهيار المنهج الثاني أي الشيوعي والإشتراكي بوصفه منهجاً ثالثاً يتضمن إصلاحات في نظرية الرأسمالية حيث برزت منها اليوم للسطح أيضاً علامات على ضعف وخواء منطلقات تلك الإصلاحات. إن التطورات التي شهدها الإقتصاد الرأسمالي ضمن محصلة العولمة، كإزالة المنافسين التقليديين للرأسمالية أي الفاشية والإشتراكية، وافتقار الرأسمالية للحقائق الثابثة أي النمو والشغل وكذلك فشل خطوات النظام الرأسمالي كإيجاد أنظمة الضمان الإجتماعي التي تبدو في ظاهرها إصلاحية وهي في الحقيقة مضللة ؛ جعلت هذا النظام مصداقاً لما يذهب إليه المثل الصيني بشأن من خرج من الماء فيتلوى على الساحل محاولاً العودة إلى الماء، دون أن يعلم أين سيقوده تقلبه، هل إلى داخل الماء أم يبتعد عنه، فقط يعلم أن وضعه الراهن لا يمكن تحمله وعليه أن يفعل شيئاً.