على الناس وأهلية أدائها لهم، ليستقيم أمرهم.. إن أعباء هذا الجعل الوسط ومسؤولياته وما يتطلبه من القوامة المستمرة على حماية قيم الأمن والحق والعدل واحترام حقوق الإنسان، لقوله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) (الإسراء: 70). الأمة الإسلامية هي امة العقيدة، وكل من يؤمن بهذه العقيدة فهو الأمة الوسط، الشهيدة، مهما كان جنسه أو لونه أو قومه أو موقعه الجغرافي، بعيداً عن الانغلاق والتعصب والتميّز. وحسبنا أن نقول ان القيم التي تعتبر الخيار وعدم الإكراه مرادفاً لإنسانية الإنسان وكرامته، والقيم التي استوعبت الحركة الحضارية التاريخية، وانتهت إليها أُصول النبوات السابقة، هي قيم مؤهلة للحكم والشهادة على الذات وقيادة الناس. إن الأمة المسلمة بمجرد ان تتمكن من إعادة التعامل مع عالم أفكارها، وتقييم واقعها بقيم الكتاب والسنة، وتحديد مواطن الخلل وأسبابه، لا تلبث أن تعاود النهوض، الأمر الذي لم يتحقق لسائر الحضارات البشرية التي سادت ثم بادت وتحولت من شاهد إلى مشهود. والحقيقة التي لابد من التذكير بها هنا، هي أنه يجب ان يتحول الكلام ـ في تقديرنا ـ إلى كيفية الشهادة على الذات التي تؤهل للنهوض والشهادة على الآخر، والى دراسة التحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية. التحديات الداخلية ذات العمق الاستراتيجي الروحي الفكري والنفسي والمادي والتحديات الخارجية التي تهدد مجتمعاتنا الإسلامية على حد سواء. إن تحديد مواطن الخلل، ومبعث الخطر، وأسباب التهديد ومصادره، وإعادة تقييم الذات بقيم الإسلام، ووضع البرامج والآليات لذلك، أصبح ضرورة حضارية، ذلك أن عظمة هذه القيم لا تتناسب مع خيبة واقع الأمة التي تنسب إلى هذه القيم. ومعلوم أن الغياب الفكري الحضاري، أو الأزمة الحضارية التي يعاني منها مجتمعنا الإسلامي اليوم ليس الفقر في القيم التي أكملها الله، وتعهد بحفظها في الكتاب والسنة، وليس بسبب الفقر الاقتصادي فالعالم الإسلامي يزخر بموارده الغنية.. إن الانحسار الحضاري الذي يعاني منه العالم الإسلامي اليوم هو أزمة فكر أولاً وقبل كل شيء. إن قضية التحديات التي تواجه العالم الإسلامي المعاصر، لابد من التوقف عندها بما تسمح به هذه العجالة.. هناك قضايا أخرى لابد من لفت النظر إليها أيضاً قبل ان نشرع في الإحاطة بتلك التحديات..