الحمد لله الذي جعل القرآن شاهداً على الكتب السماوية السابقة، ومحققاً الاكتمال والكمال لتاريخ النبوة، مؤكداً لوحدتها، مصوباً لمسيرتها، ومبيناً علل التدين التي لحقت بأصحابها وكانت سبب سقوطهم، ليكون ذلك بياناً وهدى وموعظة وتقوى للأمة الخاتمة. والصلاة والسلام على النبي الخاتم، الذي انتهت إليه تجربة النبوة التاريخية وأصول الرسالات السماوية، فكانت رسالته في قمة التجربة البشرية، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصّى به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).. الشورى (13). أما بعد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وتحياتي وتقديري الخالص للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.. هذا الصرح العظيم لما يقوم به من جهود عظيمة لإصلاح ذات البين وتوحيد الرؤى وجمع الكلمة.. لتكون كلمة الله هي العليا.. والتحية موصولة لفعاليات الاجتماع الرابع للجنة الخبراء المكلفة ببحث أوجه التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين.. والذي يأتي في محاولة لمعاودة إخراج الأمة المسلمة، وإحياء رسالتها الإنسانية، والمساهمة في استرداد الدور المنوط بها من الوعي بذاتها، والعودة بالأمة إلى موقع الوسطية بكل مدلولاته وأبعاده الايجابية غير المنحازة، التي تعيد التوازن، وتحمل ميزان الاعتدال، استجابة لقوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً). (البقرة 143). هذا الجعل من الله، أو هذا الموقع الحضاري والثقافي الوسط، وهذه النبوات التاريخية التي توحدت بالرسالة الخاتمة (وإنّ هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فإتقون) (المؤمنون: 52). والتي أكدت وتمحورت حول الوحدانية لله عز وجل، التي ألغت الآلهة المزيفة وأوقفت تسلط الإنسان على الإنسان. هذا الجعل الوسط، بكل آفاقه وأبعاده ومقتضياته، هيّأ الأمة المسلمة لأهلية تحمل الشهادة