شمولية تكون ركيزة العمل السياسي في شتى المجتمعات. هذه المبادئ والاصول هي التي تعرضها اليبرالية الديمقراطية والتي نشهد اليوم اقبالاً عليها. تأسيساً على هذا، يتوجب على العالم الإسلامي ان يعيد تعريف قيمه الدينية في اطار مرجعية الليبرالية الديمقراطية، ليصل بذلك إلى دين جديد يحتفظ بماهيته الإلهية، ويتناسب مع القواعد الليبرالية ولا يتعارض معها. وهذا ما شدد عليه هابرماس خلال زيارته الاخيرة للجمهورية الإسلامية الايرانية في مناسبات عدة، فقد صرح قائلاً على سبيل المثال: "باقصاء السياسة عن الأديان السائدة، وادخال الأقليات الدينية في المجتمع السياسي، وتوسيع دائرة التسامح الديني الذي نلاحظ فيه نوعاً من الديمقراطية العامة، يمكن ان ينبثق نموذج يحتذى لأشاعة الحقوق الثقافية" 1. معنى هذه الفكرة ان يواجه العالم الإسلامي تحدياً جديداً محوره الأصلي ليس إلغاء الدين وتقديم بديل له، بل ادخال تغييرات جوهرية عليه. مثل هذا الدين يمكن ان يواصل حياته وسيكون مؤثراً بالطبع: "يعتبر الدين في اطار الحداثة المميز، قوةً مؤثرةً في رسم شخصية قطاع واسع من الشعب… كما له تأثيره الحاسم على مستوى الرأي العام السياسي"2 . ومن الواضح ان هذا التحول لن يكون امراً بسيطاً، والواقع انه يبدل الدين من ظاهرة الهية إلى حالة انسانية، ويجعله شيئاً في مستوى "الدين الإنساني النزعة" المناسب للانسان العصري. ولعل تأكيد هابرماس على قابلية تحول الدين في ثلاثة اتجاهات رئيسية يستبطن دلالة على صحة ما ذهبنا إليه، يقول: "لا يمكن للدين في اطار الحداثة ان يبقى إلاّ إذا كشف عن واقعه في ثلاثة اتجاهات. أولاً يستطيع الوعي الديني حينما يواجه ادياناً أخرى تختلف عنه معرفياً، ان يدير هذه المواجهة بطريقة معقولة. ثانياً يتماشى مع المرجعية العلمية. وثالثاً ان ينشد من زاوية دينية علاقة له بنظام الحكم وحقوق الإنسان"3 . 2ـ السياسات بمعزل عن القراءات الثلاث المذكورة، نلاحظ في مضمار العمل والتخطيط السياسي، طرح وامضاء سياسات تشير إلى جهود عملية تبذلها القوى العظمى للتغلب على التعددية الدينية في عصر العولمة، ولاستلام زمام السلطة الثقافية في العالم الإسلامي، ثمة العديد من الشواهد على هذه السياسة العملية، منها: