لذا يبدو من الضروري جداً العودة إلى الاهتمام بالركائز الثقافية والأخلاقية، واعادة تشكيلها داخل الثقافة الليبرالية الديمقراطية1 . النتيجة التي يتمخض عنها كلام فوكوياما هي ان الليبرالية الديمقراطية يجب ان لا تستهدف إلغاء الدين، إنّما ينبغي ان تسعى للحلول محل الدين الخاتم، وتنبري بنفسها لتلبية حاجات الإنسان المعاصر الدينية. غني عن القول ان اسلوب معارضة هذه الرؤية الليبرالية يختلف عن الأساليب السالفة المألوفة لدى المفكرين المسلمين. بعبارة أخرى، اكتسبت الليبرالية الديمقراطية شكلاً جديداً، وبالتالي فإن الفكر الإسلامي يواجه اليوم منافساً يتخذ لنفسه مزاعم واهدافاً واساليب حديثة، ما يجعل الأساليب والبراهين السابقة غير مجدية اليوم في نقده وتفنيده. ان ليبرالية القرن الحادي والعشرين تطرح نفسها بديلاً للدين الإسلامي، لا عدواً ساذجاً له. 1ـ2: قراءة هانتينغتون؛ الليبرالية كعدو سياسي التصورات المتطرفة اليوتوبية (Vtopian) التي ساقها فوكوياما لليبرالية الديمقراطية، رغم انها تصب لصالح العديد من السياسيين ورجال السلطة الغربيين، بيد انها بسبب تجاهلها حقائق موضوعية من قبيل المعارضة الصريحة والمؤثرة التي يبديها للعالم الإسلامي حيال السلطة الليبرالية المطلقة، وصمود حضارات مستقلة أخرى كالكونفوشيوسية و…، تتعرض لنقود قاصمة على العصد النظرية والعملية. تلافياً لهذه الثغرات اقدم صاموئيل هانتنغتون (S.Huntington) على بناء واطلاق نظريته المشهورة "صراع الحضارات". ومع أنه أقرب للواقع من فوكوياما، ويعتبر هيمنة الليبرالية الديمقراطية سابقة لأوانها في الوقت الحاضر، غير انه يشاطره الطموح في ضرورة تحقيق مثل هذه الغاية، وإنْ في اطوار لاحقة. في مقالة "صراع الحضارات" التي تحولت بعد ذلك إلى كتاب مستقل، يذكر هانتنغتون فكرته هذه بكل صراحة: من اجل ان تتبوّأ الليبرالية الديمقراطية مكانتها المتفوقة، تحتاج ان تنتصر على عدو آخر بعد الشيوعية. انه عدو يصنعه الائتلاف بين الإسلام والكونفوشيوسية. وحسب زعمه، فإن ما يهدد النظام الدولي الذي تحبذه الليبرالية الديمقراطية، هو الانظمة السياسية الاصولية، المرتبطة في العالم الإسلامي على وجه العموم. وبالتالي، يتوقف مستقبل النظام العالمي على قمع المراكز والبؤر المذكورة2 . في الفصل الأخير من كتابه "صراع الحضارات واعادة بناء النظام العالمي" يحذو مصمم هذه النظرية حذو فوكوياما في تناول قضية "سراب خلود الحضارات" ويقرر ان الحضارة الغربية استثناء لهذه القاعدة، لذلك تستطيع الاحتفاظ بهيمنتها طيلة تاريخ تحولات المجتمع الإنساني: