القسري مع الواقع، لاسيما وانه واقع مجازي اصطناعي، يمثل موضوع ذوبان ثقافي كان على طول التاريخ اداةً لخدمة الايديولوجيات السلطوية، وعلى حد تعبير كارل ماركس: "جميع العلاقات الراسخة والمتصلبة بشدة، ومعها سلسلة من الاحكام المسبقة والنظريات القديمة والمقدسة، سوف تنهار، وسيُنسخ كل جديد قبل ان يتكّون. سيذوب كل متصلب منجمد ويتبخر في الهواء. كل مقدس سيغدو غير مقدس. وبالتالي سيضطر الإنسان إلى مواجهة ظروف حياته الواقعية وعلاقاته مع ابناء جلدته بأعين مفتحة يقظة"1 . من الجلي ان هذا الذوبان يمثل بالنسبة للعالم الإسلامي خسران مصادر قوته الايديولوجية، ما يستدعي هبوط منزلته في السياسة الدولية. 1ـ القراءات المخاطر البنيوية لـ "فعل العولمة" يمكن ان تقرأ على ثلاثة انحاء رئيسية؟ انها ثلاث قراءات لا تتمتع برؤى ومرتكزات استدلالية متساوية، غير انها تتابع هدفاً واحداً. القراءات الثلاث الممتدة على طيف يبدأ من الواقعية وينتهي إلىالمثالية أو المبدئية، هي عبارة عن: 1ـ1: قراءة فوكوياما؛ الليبرالية كبديل للدين المغزى الرئيس لافكار فوكوياما (Francis Fukuyama) هو ان العالم يجرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وضعاً جديداً تمثل فيه القيم الليبرالية الديمقراطية حصيلة ارقى مصالح الإنسان المعاصر. هذا "الرقي" الذي كان في السابق، حسب الرؤى الدينية، من نصيب الذات الإلهية المقدسة، مُنِحَ في افكار فوكوياما للانسان الغربي، لذلك نراه يصرح في كتاب "نهاية التاريخ والانسان الاخير": لقد حان آخر الزمان، وقد اثبتت قيم الليبرالية الديمقراطية انها تشبع حاجات الإنسان المعاصر على احسن وجه. إن التعابير والمصطلحات المستخدمة من قبل فوكوياما ذات صبغة وطبيعة دينية، أي انها ذات التعابير والمصطلحات التي سبق ان حوربت بشدة من قبل المفكرين الليبراليين، واعتبرت غير مقبولة بسبب افضائها إلى الجمود والتحجر2 . يجيب فوكوياما عن سؤال رئيس تحرير فصلية "الآفاق الجديدة" (New Perspective Quarterly) بشأن ميوله لتعاليم اخلاقية ـ دينية تتسم بالشمولية ولا تتجانس مع النسبية والتعددية الليبرالية، يجيب بالقول: اعتقد ان المجتمع الامريكي يجابه العديد من الازمات الحقيقية التي تهدد مستقبله. ليست معضلة العالم اليوم اقتصادية أو سياسية أو … الخ. إنّما هي ازمة نابعة من انهيار الانسجام الأخلاقي الذي كان يتقوّم يوماً ما بفضل التعاليم الدينية.