بوسعنا تقسيم الاخطار المنبعثة عن هذا الواقع إلى مجموعتين "المخاطر البنيوية" أو التهديدات الثقافية، و"المخاطر الفوقية" أو التهديدات السياسية والاقتصادية و… الخ. أولاً: الخطر البنيوي "يقال إننا نعيش الآن في قرية عالمية. على فرض صحة هذا القول، فإن هذا عملية سلبية الشمولية العالمية آخر مظاهر الامبريالية الغربية" . ابرز اخطار "فعل العولمة" للعالم الإسلامي يكمن في الجانب الثقافي. ولهذا الخطر جذوره الضاربة في ماهية الليبرالية الديمقراطية التي تصاعدت بشكل واضح اثر تداعي الاتحاد السوفيتي وتمظهرت بصيغة سلطوية سافرة. التعارض بين المنحيين الديني والمادي، رغم ماله من جذور تاريخية عميقة، الاّ ان ما يميز "فعل العولمة" المعاصر عن انماطه السابقة، هو سعي لا يرمي إلى هدم الدين وإقصائه إلى الهامش، بل على العكس، هو سعي يُبذل على أرضية دينية وبمزاعم من سنخ افكار الديانات الإلهية. في هذه البرهة، تزعم الليبرالية الديمقراطية انه توفرت على خامات حقيقية تضمن سعادة الإنسان، لذلك فهي تتجاوز "النسبية" و"التعددية" لترجع ادراجها إلى "الاحادية" فتتحدث عن نشر سطوة القيم الليبرالية الديمقراطية كقيم شمولية تستند إلى الفطرة الإنسانية. ولعل الصياغة الابسط لهذا التهديد هو ان الليبرالية الديمقراطية تنزع للعب دور الدين والإله على الارض. من هنا يلاحظ انها تستخدم منهجاً دينياً للوصول إلى غايات غير دينية، وتعيد تعريف قيم كالحرية، والعدالة، واللاظلم، والمساواة، وحقوق الإنسان، و… ضمن اطار القيم الليبرالية وبمعونة وسائل الاعلام، سعياً لفرض نفسها على العالم . وهكذا فإن القدرات الاعلامية للمعسكر الليبرالي الديمقراطي تساعده على توجيه الرأي العام المسلم لصالح التعاليم الليبرالية، لتحقن عن هذا الطريق وكما قال "فرانسيس كاين كراس" اذهان المسلمين بايديولوجيا معارضة للاصول الإسلامية. وعلى هذا الاساس لا يعتبر "كراس" وسائل الاعلام ادوات بسيطة، إنّما يعدها "ايديولوجيا" في صدام الثقافتين الإسلامية والليبرالية، ايديولوجيا تحاول اقناع المسلمين بأن خيرهم ومصلحتهم في اتباع قيم الليبرالية الديمقراطية، ولأجل بلوغ هذه الغاية يجب الضغط على نموذج الحكومة الإسلامية لصالح نموذج الحكومة الديمقراطية وتغييره تالياً . وما يعرف بـ "الغزو الثقافي" يفصح في الحقيقة عن استراتجية تتحول فيها نظرة الإنسان للعالم ولنفسه، ويعاد تعريفها في ضوء القيم السائدة حتى تتموضع في اطار الواقع. هذا التطابق